وَقَتَلُوا صَاحِبَ قَلْعَةِ الْأُبُلَّةِ، وَكَاتَبُوا بَنِي بُرْسُقَ بِخُوزِسْتَانَ يَطْلُبُونَ أَنْ يُرْسِلُوا عَسْكَرًا لِيُسَاعِدُوهُمْ عَلَى أَخْذِ الْبَصْرَةِ، فَتَمَادَى الْجَوَابُ، وَرَكَنَ الطَّائِفَتَانِ إِلَى الصُّلْحِ، عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ إِسْمَاعِيلُ جَعْفَرْكَ وَرَفِيقَهُ، وَيُقْطِعَهُمْ مَوَاضِعَ ذَكَرُوهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبَصْرَةِ.
فَلَمَّا رَجَعُوا لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَخَذَ مَرْكَبَيْنِ لِقَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَعْدٍ، فَحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ سَارَ بِنَفْسِهِ فِي قِطَعٍ كَثِيرَةٍ تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ قِطْعَةٍ بَيْنَ كَبِيرَةٍ وَصَغِيرَةٍ، وَوَصَلَ إِلَى فُوَّهَةِ نَهْرِ الْأُبُلَّةِ.
وَخَرَجَ عَسْكَرُ إِسْمَاعِيلَ فِي عِدَّةِ مَرَاكِبَ، وَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْبَحْرِيُّونَ فِي نَحْوِ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَإِسْمَاعِيلُ فِي سَبْعِمِائَةٍ، وَأَصْعَدَ الْبَحْرِيُّونَ فِي دِجْلَةَ، فَأَحْرَقُوا عِدَّةَ مَوَاضِعَ، وَتَفَرَّقَ عَسْكَرُ إِسْمَاعِيلَ، فَبَعْضُهُ بِالْأُبُلَّةِ، وَبَعْضُهُ بِنَهْرِ الدَّيْرِ، وَبَعْضُهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ.
فَلَمَّا ضَعُفَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ مُقَاوَمَةِ أَبِي سَعْدٍ طَلَبَ مِنْ وَكِيلِ الْخَلِيفَةِ، عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِدِيوَانِهِ مِنَ الْبِلَادِ، أَنْ يَسْعَى فِي الصُّلْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَأَعَادَ الْجَوَابَ يَذْكُرُ قُبْحَ مَا عَامَلَهُ بِهِ إِسْمَاعِيلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَتَكَرَّرَتِ الرَّسَائِلُ بَيْنَهُمْ، فَأَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحَا، وَاجْتَمَعَا، وَعَادَ أَبُو سَعْدٍ إِلَى بِلَادِهِ، وَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَدِيَّةً جَمِيلَةً.
ذِكْرُ وَفَاةِ كَرْبُوقَا وَمُلْكِ مُوسَى التُّرْكُمَانِيِّ الْمَوْصِلَ وَجَكَرْمَشَ بَعْدَهُ وَمُلْكِ سُقْمَانَ الْحِصْنَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، تُوُفِّيَ قِوَامُ الدَّوْلَةِ كَرْبُوقَا، عِنْدَ مَدِينَةِ خُوَيٍّ، وَكَانَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ قَدْ أَرْسَلَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَاسْتَوْلَى عَلَى أَكْثَرِهَا وَأَتَى إِلَى خُوَيٍّ، فَمَرِضَ بِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ مَعَهُ أَصْبَهْبَذُ صَبَاوَةُ بْنُ خُمَارَتِكِينَ، وَسُنْقُرْجَهْ، فَوَصَّى إِلَى سُنْقُرْجَهْ، وَأَمَرَ الْأَتْرَاكَ بِطَاعَتِهِ، وَأَخَذَ لَهُ عَلَى عَسْكَرِهِ الْعَهْدَ، وَمَاتَ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ خُوَيٍّ، وَلُفَّ فِي زَلِيَّةٍ لِعَدَمِ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ وَدُفِنَ بِخُوَيٍّ.
وَسَارَ سُنْقُرْجَهْ وَأَكْثَرُ الْعَسْكَرِ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَتَسَلَّمَهَا، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute