للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْيَانُ الْمَوْصِلِ قَدْ كَاتَبُوا مُوسَى التُّرْكُمَانِيَّ، وَهُوَ بِحِصْنِ كِيفَا يَنُوبُ عَنْ كَرْبُوقَا فِيهَا، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُبَادِرَ إِلَيْهِمْ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَلَدَ، فَسَارَ مُجِدًّا، فَسَمِعَ سُنْقُرْجَهْ بِوُصُولِهِ، فَظَنَّ أَنَّهُ جَاءَ إِلَيْهِ خِدْمَةً لَهُ، فَخَرَجَ لِيَسْتَقْبِلَهُ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ، فَلَمَّا تَقَارَبَا نَزَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَنْ فَرَسِهِ، وَاعْتَنَقَهُ، وَبَكَيَا عَلَى قِوَامِ الدَّوْلَةِ، فَتَسَايَرَا.

فَقَالَ سُنْقُرْجَهْ لِمُوسَى فِي جُمْلَةِ حَدِيثِهِ: أَنَا مَقْصُودِي مِنْ جَمِيعِ مَا كَانَ لِصَاحِبِنَا الْمِخَدَّةُ، وَالْمَنْصِبُ، وَالْأَمْوَالُ، وَالْوِلَايَاتُ لَكُمْ وَبِحُكْمِكُمْ.

فَقَالَ مُوسَى: مَنْ نَحْنُ حَتَّى يَكُونَ لَنَا مَنَاصِبُ وَدُسُوتٌ؟ الْأَمْرُ فِي هَذَا إِلَى السُّلْطَانِ يُرَتِّبُ فِيهِ مَنْ يُرِيدُ، وَيُوَلِّي مَنْ يَخْتَارُ.

وَجَرَى بَيْنَهُمَا مُحَاوَرَاتٌ، فَجَذَبَ سُنْقُرْجَهْ سَيْفَهَ وَضَرَبَهُ صَفْحًا عَلَى رَأْسِهِ فَجَرَحَهُ، فَأَلْقَى مُوسَى نَفْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَجَذَبَ سُنْقُرْجَهْ فَأَلْقَاهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ مَعَ مُوسَى وَلَدُ مَنْصُورِ بْنِ مَرْوَانَ الَّذِي كَانَ أَبُوهُ صَاحِبَ دِيَارِ بَكْرٍ، فَجَذَبَ سِكِّينًا وَضَرَبَ بِهَا رَأَسَ سُنْقُرْجَهْ فَأَبَانَهُ، وَدَخَلَ مُوسَى الْبَلَدَ، وَخَلَعَ عَلَى أَصْحَابِ سُنْقُرْجَهْ، وَطَيَّبَ نُفُوسَهُمْ فَصَارَتِ الْوِلَايَةُ لَهُ.

وَلَمَّا سَمِعَ شَمْسُ الدَّوْلَةِ جَكَرْمِشُ، صَاحِبُ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، الْخَبَرَ قَصَدَ نَصِيبِينَ وَتَسَلَّمَهَا، وَسَارَ مُوسَى قَاصِدًا الْجَزِيرَةَ، فَلَمَّا قَارَبَ جَكَرْمِشَ غَدَرَ بِمُوسَى عَسْكَرُهُ، وَصَارُوا مَعَ جَكَرْمِشَ، فَعَادَ مُوسَى إِلَى الْمَوْصِلِ، وَقَصَدَهُ جَكَرْمِشُ، وَحَصَرَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، فَاسْتَعَانَ مُوسَى بِالْأَمِيرِ سُقْمَانَ بْنَ أُرْتُقَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِدِيَارِ بَكْرٍ، وَأَعْطَاهُ حِصْنَ كِيفَا وَعَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَسَارَ سُقْمَانَ إِلَيْهِ، فَرَحَلَ جَكَرْمِشُ عَنْهُ.

وَخَرَجَ مُوسَى لِاسْتِقْبَالِ سُقْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ مُوسَى عِنْدَ قَرْيَةٍ تُسَمَّى كَرَاثَا، وَثَبَ عَلَيْهِ عِدَّةٌ مِنَ الْغِلْمَانِ الْقِوَامِيَّةِ، فَقَتَلُوهُ: رَمَاهُ أَحَدُهُمْ بِنُشَّابَةٍ فَقَتَلَهُ، فَعَادَ أَصْحَابُهُ مُنْهَزِمِينَ، وَدُفِنَ عَلَى تَلٍّ هُنَاكَ يُعْرَفُ الْآنَ بِتَلِّ مُوسَى، وَرَجَعَ الْأَمِيرُ سُقْمَانُ إِلَى الْحِصْنِ، فَمَلَكَهَا وَهِيَ بِيَدِ أَوْلَادِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، سَنَةَ عِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَصَاحِبُهَا حِينَئِذٍ غَازِي بْنُ قُرَا أَرْسِلَانَ بْنِ دَاوُدَ بْنِ سُقْمَانَ بْنِ أُرْتُقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>