ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ الْفِرِنْجُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَطْلَقَ الدَّانِشْمَنْدُ بِيمُنْدَ الْفِرِنْجِيَّ، صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَ قَدْ أَسَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ، وَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ إِطْلَاقَ ابْنَةِ يَاغِي سِيَانَ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَتْ فِي أَسْرِهِ.
وَلَمَّا خَلُصَ بِيمُنْدُ مِنْ أَسْرِهِ عَادَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُ أَهْلِهَا بِهِ، وَلَمْ يَسْتَقِرْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْعَوَاصِمِ وَقِنَّسْرِينَ وَمَا جَاوَرَهَا يُطَالِبُهُمْ بِالْإِتَاوَةِ، فَوَرَدَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ مَا طَمَسَ الْمَعَالِمَ الَّتِي بَنَاهَا الدَّانِشْمَنْدُ.
وَفِيهَا سَارَ صَنْجِيلُ إِلَى حِصْنِ الْأَكْرَادِ فَحَصَرَهُ، فَجَمَعَ جَنَاحُ الدَّوْلَةِ عَسْكَرَهُ لِيَسِيرَ إِلَيْهِ وَيَكْبِسَهُ، فَقَتَلَهُ بَاطِنِيٌّ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَقِيلَ: إِنَّ الْمَلِكَ رِضْوَانَ رَبِيبَهُ وَضَعَ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ صَبَّحَ صَنْجِيلُ حِمْصَ مِنَ الْغَدِ، وَنَازَلَهَا، وَحَصَرَ أَهْلَهَا، وَمَلَكَ أَعْمَالَهَا.
وَنَزَلَ الْقُمَّصُ عَلَى عَكَّةَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهَا، وَكَادَ يَأْخُذُهَا، وَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَنْجَنِيقَاتِ وَالْأَبْرَاجَ، وَكَانَ لَهُ فِي الْبَحْرِ سِتَّ عَشْرَةَ قِطْعَةً، فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ سَائِرِ السَّوَاحِلِ، وَأَتَوْا إِلَى مَنْجَنِيقَاتِهِمْ، وَأَبْرَاجِهِمْ، فَأَحْرَقُوهَا، وَأَحْرَقُوا سُفُنَهُمْ أَيْضًا، وَكَانَ ذَلِكَ نَصْرًا عَجِيبًا أَذَلَّ اللَّهُ بِهِ الْكُفَّارَ.
وَفِيهَا صَارَ الْقُمَّصُ الْفِرِنْجِيُّ، صَاحِبُ الرُّهَا إِلَى بَيْرُوتَ مِنْ سَاحِلِ الشَّامِ، وَحَصَرَهَا وَضَايَقَهَا، وَأَطَالَ الْمُقَامَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَرَ فِيهَا طَمَعًا فَرَحَلَ عَنْهَا.
وَفِيهَا، فِي رَجَبٍ، خَرَجَتْ عَسَاكِرُ مِصْرَ إِلَى عَسْقَلَانَ لِيَمْنَعُوا الْفِرِنْجَ عَمَّا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، فَسَمِعَ بِهِمْ بَرْدَوِيلُ، صَاحِبُ الْقُدْسِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي سَبْعِمِائَةِ فَارِسٍ، وَقَاتَلَهُمْ، فَنَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ، وَانْهَزَمَ الْفِرِنْجُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَانْهَزَمَ بَرْدَوِيلُ، فَاخْتَفَى فِي أَجَمَةِ قَصَبٍ، فَأُحْرِقَتْ تِلْكَ الْأَجَمَةُ، وَلَحِقَتِ النَّارُ بَعْضَ جَسَدِهِ، وَنَجَا مِنْهَا إِلَى الرَّمْلَةِ، فَتَبِعَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَحَاطُوا بِهِ فَتَنَكَّرَ، وَخَرَجَ مِنْهَا إِلَى يَافَا، وَكَثُرَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي أَصْحَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute