وَكَانَتْ كَنْجَةُ وَبِلَادُ أَرَّانَ جَمِيعُهَا لِلسُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَبِهَا عَسْكَرُهُ، وَمُقَدَّمُهُمُ الْأَمِيرُ غَزْغَلِي، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُ مُحَمَّدٍ بِأَصْبَهَانَ مَحْصُورًا تَوَجَّهَ غَزْغَلِي وَالْأَمِيرُ مَنْصُورُ بْنُ نِظَامِ الْمُلْكِ وَابْنُ أَخِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ قَاصِدِينَ لِنُصْرَتِهِ، لِيَرَاهُمْ بِعَيْنِ الطَّاعَةِ.
وَكَانَ آخِرُ مَا تُقَامُ فِيهِ الْخُطْبَةُ لِمُحَمَّدٍ زَنْجَانَ مِمَّا يَلِي أَذَرْبِيجَانَ، فَوَصَلُوا إِلَى الرَّيِّ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، فَفَارَقَهُ عَسْكَرُ بَرْكِيَارُقَ، وَدَخَلُوهُ وَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ بِخُرُوجِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى سَاوَةَ، فَسَارُوا إِلَيْهِ، وَلَحِقُوهُ بِهَمَذَانَ وَمَعَهُ يَنَّالُ وَعَلِيٌّ ابْنَا أَنُوشْتِكِينَ الْحُسَامِيِّ، فَبَلَغَ عَدَدُهُمْ سِتَّةَ آلَافِ فَارِسٍ، فَأَقَامُوا بِهَا إِلَى أَوَاخِرِ الْمُحَرَّمِ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِأَنَّ السُّلْطَانَ بَرْكِيَارُقَ قَدْ أَتَاهُمْ، فَتَلَوَّنُوا فِي رَأْيِهِمْ، فَسَارَ يَنَّالُ وَعَلِيٌّ ابْنَا أَنُوشْتِكِينَ إِلَى الرَّيِّ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَزَمَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى شَرْوَانَ، فَوَصَلَ إِلَى أَرْدَبِيلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ مَوْدُودُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَاقُوتِي، صَاحِبُ بَعْضِ أَذْرَبِيجَانَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ لِأَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَاقُوتِي، وَهُوَ خَالُ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَكَانَتْ أُخْتُهُ زَوْجَةَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُطَالِبُ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ بِثَأْرِ أَبِيهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَقْتَلُهُ أَوَّلَ دَوْلَةِ بَرْكِيَارُقَ، وَقَالَ لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَقْدَمَ إِلَيْنَا لِتَجْتَمِعَ كَلِمَتُنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَقِتَالِ خَصْمِنَا، فَسَارَ إِلَيْهِ مُجِدًّا، وَتَصَيَّدَ فِي طَرِيقِهِ بَيْنَ أَرْدَبِيلَ وَبَيْلَقَانَ، وَانْفَرَدَ عَنْ عَسْكَرِهِ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ نَمِرٌ، وَهُوَ غَافِلٌ، فَجَرَحَ السُّلْطَانَ مُحَمَّدًا فِي عَضُدِهِ، فَأَخَذَ سِكِّينًا وَشَقَّ بِهَا جَوْفَ النَّمِرِ فَأَلْقَاهُ عَنْ فَرَسِهِ وَنَجَا.
ثُمَّ إِنَّ مَوْدُودَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ تُوُفِّيَ فِي النِّصْفِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعُمْرُهُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَلَمَّا بَلَغَ بَرْكِيَارُقَ اجْتِمَاعُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ وَالْمَلِكِ مَوْدُودٍ سَارَ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ، فَوَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْدُودٍ، وَكَانَ عَسْكَرُ مَوْدُودٍ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى طَاعَةِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَحَلَفُوا لَهُ، وَفِيهِمْ سُكْمَانُ الْقِبْطِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَاغِي سِيَانَ، الَّذِي كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute