وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ سُيِّرَتِ الْخِلَعُ مِنَ الْخَلِيفَةِ لِلسُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَلِلْأَمِيرِ إِيَازَ، وَلِوَزِيرِ بَرْكِيَارُقَ، وَهُوَ الْخَطِيرُ، وَالْعَهْدُ بِالسَّلْطَنَةِ، وَحَلَفُوا جَمِيعُهُمْ لِلْخَلِيفَةِ وَعَادُوا.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ جُبَيْلًا وَعَكَّا مِنَ الشَّامِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَتْ مَرَاكِبُ مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ إِلَى مَدِينَةِ اللَّاذِقِيَّةِ، وَفِيهَا التُّجَّارُ، وَالْأَجْنَادُ، وَالْحُجَّاجُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَاسْتَعَانَ بِهِمْ صَنْجِيلُ الْفِرِنْجيُّ عَلَى حِصَارِ طَرَابُلُسَ، فَحَصَرُوهَا مَعَهُ بَرًّا وَبَحْرًا، وَضَايَقُوهَا، وَقَاتَلُوهَا أَيَّامًا، فَلَمْ يَرَوْا فِيهَا مَطْمَعًا، فَرَحَلُوا عَنْهَا إِلَى مَدِينَةِ جُبَيْلٍ، فَحَصَرُوهَا، وَقَاتَلُوا عَلَيْهَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُهَا عَجْزَهُمْ عَنِ الْفِرِنْجِ أَخَذُوا أَمَانًا، وَسَلَّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ تَفِ الْفِرِنْجُ لَهُمْ بِالْأَمَانِ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَاسْتَنْقَذُوهَا بِالْعُقُوبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ.
فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ جُبَيْلٍ سَارُوا إِلَى مَدِينَةِ عَكَّا، اسْتَنْجَدَهُمُ الْمَلِكُ بَغْدَوِينُ، مَلِكُ الْفِرِنْجِ، صَاحِبُ الْقُدْسِ عَلَى حِصَارِهَا، فَنَازَلُوهَا، وَحَصَرُوهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
وَكَانَ الْوَالِي بِهَا اسْمُهُ بَنَا، وَيُعْرَفُ بِزَهْرِ الدَّوْلَةِ الْجُيُوشِيِّ، نِسْبَةً إِلَى مَلِكِ الْجُيُوشِ الْأَفْضَلِ، فَقَاتَلَهُمْ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَزَحَفُوا إِلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَعَجَزَ عَنْ حِفْظِ الْبَلَدِ، فَخَرَجَ مِنْهُ، وَمَلَكَ الْفِرِنْجُ الْبَلَدَ بِالسَّيْفِ قَهْرًا، وَفَعَلُوا بِأَهْلِهِ الْأَفْعَالَ الشَّنِيعَةَ، وَسَارَ الْوَالِي بِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَقَامَ بِهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ، وَاعْتَذَرَ إِلَى الْأَفْضَلِ فَقَبِلَ عُذْرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute