ذِكْرُ غَزْوِ سُقْمَانَ وَجَكَرْمَشَ الْفِرِنْجَ
لَمَّا اسْتَطَالَ الْفِرِنْجُ، خَذَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، بِمَا مَلَكُوهُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَاتَّفَقَ لَهُمُ اشْتِغَالُ عَسَاكِرِ الْإِسْلَامِ وَمُلُوكِهِ، بِقِتَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، تَفَرَّقَتْ حِينَئِذٍ بِالْمُسْلِمِينَ الْآرَاءُ، وَاخْتَلَفَتِ الْأَهْوَاءُ، وَتَمَزَّقَتِ الْأَمْوَالُ.
وَكَانَتْ حَرَّانُ لِمَمْلُوكٍ مِنْ مَمَالِيكِ مَلِكْشَاهْ اسْمُهُ قُرَاجَهْ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا إِنْسَانًا يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَخَرَجَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، فَعَصَى الْأَصْبَهَانَيُّ عَلَى قُرَاجَهْ، وَأَعَانَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ لِظُلْمِ قُرَاجَهْ.
وَكَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ جَلْدًا، شَهْمًا، فَلَمْ يَتْرُكْ بِحَرَّانَ مِنْ أَصْحَابِ قُرَاجَهْ سِوَى غُلَامٍ تُرْكِيٍّ يُعْرَفُ بِجَاوْلِي، وَجَعَلَهُ أَصْفَهْسَلَارَ الْعَسْكَرِ، وَأَنِسَ بِهِ، فَجَلَسَ مَعَهُ يَوْمًا لِلشُّرْبِ، فَاتَّفَقَ جَاوْلِي مَعَ خَادِمٍ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَتَلَاهُ وَهُوَ سَكْرَانٌ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ سَارَ الْفِرِنْجُ إِلَى حَرَّانَ وَحَصَرُوهَا.
فَلَمَّا سَمِعَ مُعِينُ الدَّوْلَةِ سُقْمَانُ، وَشَمْسُ الدَّوْلَةِ جَكَرْمِشُ ذَلِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا حَرْبٌ، وَسُقْمَانُ يُطَالِبُ بِقَتْلِ ابْنِ أَخِيهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَعِدُّ لِلِقَاءِ صَاحِبِهِ، وَأَنَا أَذْكُرُ سَبَبَ قَتْلِ جَكَرْمِشَ لَهُ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَرْسَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ يَدْعُوهُ إِلَى الِاجْتِمَاعِ مَعَهُ لِتَلَافِي أَمْرِ حَرَّانَ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَثَوَابِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَابَ صَاحِبَهُ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ، وَسَارَا فَاجْتَمَعَا عَلَى الْخَابُورِ، وَتَحَالَفَا، وَسَارَا إِلَى لِقَاءِ الْفِرِنْجِ.
وَكَانَ مَعَ سُقْمَانُ سَبْعَةُ آلَافِ فَارِسٍ مَعَ التُّرْكُمَانِ، وَمَعَ جَكَرْمِشَ ثَلَاثَةُ آلَافِ فَارِسٍ مِنَ التُّرْكِ، وَالْعَرَبِ، وَالْأَكْرَادِ، فَالْتَقَوْا عَلَى نَهْرِ الْبَلِيخِ، وَكَانَ الْمَصَافُّ بَيْنَهُمْ هُنَاكَ، فَاقْتَتَلُوا، فَأَظْهَرَ الْمُسْلِمُونَ الِانْهِزَامَ، فَتَبِعَهُمُ الْفِرِنْجُ نَحْوَ فَرْسَخَيْنِ، فَعَادَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُمْ كَيْفَ شَاءُوا، وَامْتَلَأَتْ أَيْدِي التُّرْكُمَانِ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَوَصَلُوا إِلَى الْأَمْوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute