الْعَظِيمَةِ، لِأَنَّ سَوَادَ الْفِرِنْجِ كَانَ قَرِيبًا، وَكَانَ بِيمُنْدُ، صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، وَطَنْكِرِي، صَاحِبُ السَّاحِلِ، قَدِ انْفَرَدَا وَرَاءَ جَبَلٍ لِيَأْتِيَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ، إِذَا اشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، فَلَمَّا خَرَجَا رَأَيَا الْفِرِنْجَ مُنْهَزِمِينَ، وَسَوَادَهُمْ مَنْهُوبًا، فَأَقَامَا بِاللَّيْلِ، وَهَرَبَا، فَتَبِعَهُمَا الْمُسْلِمُونَ، وَقَتَلُوا مِنْ أَصْحَابِهِمَا كَثِيرًا، وَأَسَرُوا كَذَلِكَ، وَأَفْلَتَا فِي سِتَّةِ فُرْسَانٍ.
وَكَانَ الْقُمَّصُ بَرْدَوِيلُ، صَاحِبُ الرُّهَا، قَدِ انْهَزَمَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قَمَامِصَتِهِمْ، وَخَاضُوا نَهْرَ الْبَلِيخِ، فَوَحِلَتْ خُيُولُهُمْ، فَجَاءَ التُّرْكُمَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ سُقْمَانَ فَأَخَذَهُمْ، وَحَمَلَ بَرْدَوِيلَ إِلَى خِيَمِ صَاحِبِهِ، وَقَدْ سَارَ فِيمَنْ مَعَهُ لِاتِّبَاعِ بِيمُنْدَ، فَرَأَى أَصْحَابُ جَكَرْمِشَ أَنَّ أَصْحَابَ سُقْمَانَ قَدِ اسْتَوْلَوْا عَلَى مَالِ الْفِرِنْجِ، وَيَرْجِعُونَ هُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ طَائِلٍ، فَقَالُوا لِجَكَرْمَشَ: أَيُّ مَنْزِلَةٍ تَكُونُ لَنَا عِنْدَ النَّاسِ، وَعِنْدَ التُّرْكُمَانِ إِذَا انْصَرَفُوا بِالْغَنَائِمِ دُونَنَا؟ وَحَسَّنُوا لَهُ أَخْذَ الْقُمَّصِ، فَأَنْفَذَ فَأَخَذَ الْقُمَّصَ مِنْ خِيَمِ سُقْمَانَ، فَلَمَّا عَادَ سُقْمَانُ شَقَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَرَكَبَ أَصْحَابُهُ لِلْقِتَالِ، فَرَدَّهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: لَا يَقُومُ فَرَحُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ بِغَمِّهِمْ بِاخْتِلَافِنَا، وَلَا أُؤْثِرُ شِفَاءَ غَيْظِي بِشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ بِالْمُسْلِمِينَ.
وَرَحَلَ لِوَقْتِهِ، وَأَخَذَ سِلَاحَ الْفِرِنْجِ، وَرَايَاتِهِمْ، وَأَلْبَسَ أَصْحَابَهُ لُبْسَهُمْ، وَأَرْكَبَهُمْ خَيْلَهُمْ، وَجَعَلَ يَأْتِي حُصُونَ شَيْحَانَ، وَبِهَا الْفِرِنْجُ، فَيَخْرُجُونَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَصْحَابَهُمْ نُصِرُوا، فَيَقْتُلُهُمْ وَيَأْخُذُ الْحِصْنَ مِنْهُمْ، فَعَلَ ذَلِكَ بِعِدَّةِ حُصُونٍ.
وَأَمَّا جَكَرْمِشُ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى حَرَّانِ، فَتَسَلَّمَهَا، وَاسْتَخْلَفَ بِهَا صَاحِبَهُ.
وَسَارَ إِلَى الرُّهَا، فَحَصَرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَمَعَهُ الْقُمَّصُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ خِيَامِ سُقْمَانَ، فَفَادَاهُ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ دِينَارًا، وَمِائَةٍ وَسِتِّينَ أَسِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عِدَّةُ الْقَتْلَى مِنَ الْفِرِنْجِ يُقَارِبُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ قَتِيلٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute