عَلَيْهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَقَاسَى مِنَ الْحُرُوبِ وَاخْتِلَافِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُقَاسِهِ أَحَدٌ، وَاخْتَلَفَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ بَيْنَ رَخَاءٍ وَشِدَّةٍ، وَمُلْكٍ وَزَوَالِهِ، وَأَشْرَفَ فِي عِدَّةِ نُوَبٍ بَعْدَ إِسْلَامِ النِّعْمَةِ عَلَى ذَهَابِ الْمُهْجَةِ.
وَلَمَّا قَوِيَ أَمْرُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَأَطَاعَهُ الْمُخَالِفُونَ، وَانْقَادُوا لَهُ، أَدْرَكَتْهُ مَنِيَّتُهُ، وَلَمْ يُهْزَمْ فِي حُرُوبِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانَ أُمَرَاؤُهُ قَدْ طَمِعُوا فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ نُوَّابَهُ لِيَقْتُلُوهُمْ، فَلَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ عَنْهُمْ، وَكَانَ مَتَى خُطِبَ لَهُ بِبَغْدَاذَ وَقَعَ الْغَلَاءُ، وَوَقَفَتِ الْمَعَايِشُ وَالْمَكَاسِبُ، وَكَانَ أَهْلُهَا مَعَ ذَلِكَ يُحِبُّونَهُ، وَيَخْتَارُونَ سُلْطَانَهُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ تَغَلُّبِ الْأَحْوَالِ بِهِ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، وَمِنْ أَعْجَبِهَا دُخُولُهُ أَصْبَهَانَ هَارِبًا مِنْ عَمِّهِ تُتُشَ، فَمَكَّنَهُ عَسْكَرُ أَخِيهِ مَحْمُودٍ صَاحِبِهَا مِنْ دُخُولِهَا لِيَقْبِضُوا عَلَيْهِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَخَاهُ مَحْمُودًا مَاتَ، فَاضْطَرُّوا إِلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ.
وَكَانَ حَلِيمًا، كَرِيمًا، صَبُورًا، عَاقِلًا، كَثِيرَ الْمُدَارَاةِ، حَسَنَ الْقُدْرَةِ، لَا يُبَالِغُ فِي الْعُقُوبَةِ، وَكَانَ عَفْوُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُقُوبَتِهِ.
ذِكْرُ الْخُطْبَةِ لِمَلِكْشَاهْ بْنِ بَرْكِيَارُقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خُطِبَ لِمَلِكْشَاهْ بْنِ بَرْكِيَارُقَ بِالدِّيوَانِ يَوْمَ الْخَمِيسِ سَلْخَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَخُطِبَ لَهُ بِجَوَامِعِ بَغْدَاذَ مِنَ الْغَدِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ إِيلْغَازِي، شِحْنَةَ بَغْدَاذَ، سَارَ فِي الْمُحَرَّمِ إِلَى السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَهُوَ بِأَصْبَهَانَ، يَحُثُّهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَرَحَلَ مَعَ بَرْكِيَارُقَ، فَلَمَّا مَاتَ بَرْكِيَارُقُ سَارَ مَعَ وَلَدِهِ مَلِكْشَاهْ وَالْأَمِيرِ إِيَازَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَوَصَلُوهَا سَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَلَقَوْا فِي طَرِيقِهِمْ بَرْدًا شَدِيدًا لَمْ يُشَاهِدُوا مِثْلَهُ، بِحَيْثُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْمَاءِ لِجُمُودِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute