وَخَرَجَ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ جَهِيرٍ، فَلَقِيَهُمْ مِنْ دَيَالَى، وَكَانُوا خَمْسَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَحَضَرَ إِيلْغَازِي، وَالْأَمِيرُ طَغَايَرْكُ، بِالدِّيوَانِ، وَخَاطَبُوا فِي إِقَامَةِ الْخُطْبَةِ لِمَلِكْشَاهْ بْنِ بَرْكِيَارُقَ، فَأُجِيبَ إِلَيْهَا، وَخُطِبَ لَهُ، وَلُقِّبَ بِأَلْقَابِ جَدِّهِ مَلِكْشَاهْ، وَهِيَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَلْقَابِ، وَنُثِرَتِ الدَّنَانِيرُ عِنْدَ الْخُطْبَةِ لَهُ.
ذِكْرُ حَصْرِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ جَكَرْمِشَ بِالْمَوْصِلِ
لَمَّا اصْطَلَحَ السُّلْطَانُ بَرْكِيَارُقُ وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي السَّنَةِ الْخَالِيَةِ، وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ مَدِينَةَ أَصْبَهَانَ إِلَى بَرْكِيَارُقَ، وَسَارَ إِلَيْهَا، وَأَقَامَ مُحَمَّدٌ بِتِبْرِيزَ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى أَنْ وَصَلَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ بِأَصْبَهَانَ، فَلَمَّا وَصَلُوا اسْتَوْزَرَ سَعْدَ الْمُلْكِ أَبَا الْمَحَاسِنِ لِحُسْنِ أَثَرِهِ الَّذِي كَانَ فِي حِفْظِ أَصْبَهَانَ، وَأَقَامَ إِلَى صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَسَارَ إِلَى مَرَاغَةَ، ثُمَّ إِلَى أَرْبِلَ يُرِيدُ قَصْدَ جَكَرْمِشَ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، لِيَأْخُذَ بِلَادَهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ جَكَرْمِشُ بِمَسِيرِهِ إِلَيْهِ جَدَّدَ سُورَ الْمَوْصِلِ، وَرَمَّ مَا احْتَاجَ إِلَى إِصْلَاحٍ، وَأَمَرَ أَهْلَ السَّوَادِ بِدُخُولِ الْبَلَدِ، وَأَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فِي نَهْبِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ.
وَحَصَرَ مُحَمَّدٌ الْمَدِينَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى جَكَرْمِشَ يَذْكُرُ لَهُ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَأَنَّ فِي جُمْلَةِ مَا اسْتَقَرَّ أَنْ تَكُونَ الْمَوْصِلُ وَبِلَادُ الْجَزِيرَةِ لَهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْكُتُبَ مِنْ بَرْكِيَارُقَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَالْأَيْمَانَ عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَطَعْتَ فَأَنَا لَا آخُذُهَا مِنْكَ بَلْ أُقِرُّهَا بِيَدِكَ، وَتَكُونُ الْخُطْبَةُ لِي بِهَا، فَقَالَ جَكَرْمِشُ: إِنَّ كُتُبَ السُّلْطَانِ وَرَدَتْ إِلَيَّ، بَعْدَ الصُّلْحِ، تَأْمُرُنِي أَنْ لَا أُسَلِّمَ الْبَلَدَ إِلَى غَيْرِهِ.
فَلَمَّا رَأَى مُحَمَّدٌ امْتِنَاعَهُ بَاكَرَهُ الْقِتَالَ، وَزَحَفَ إِلَيْهِ بِالنَّقَّابِينِ، وَالدَّبَّابَاتِ، وَقَاتَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا لِمَحَبَّتِهِمْ لِجَكَرْمِشَ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ فِيهِمْ، فَأَمَرَ جَكَرْمِشُ فَفُتِحَ فِي السُّورِ أَبْوَابٌ لِطَافٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الرَّجَّالَةُ يُقَاتِلُونَ، فَكَانُوا يُكْثِرُونَ الْقَتْلَ فِي الْعَسْكَرِ، ثُمَّ زَحَفَ مُحَمَّدٌ مَرَّةً، فَنَقَّبَ فِي السُّورِ أَصْحَابُهُ، وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ عَمَّرَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ، وَشَحَنُوهُ بِالْمُقَاتِلَةِ، وَكَانَتِ الْأَسْعَارُ عِنْدَهُمْ رَخِيصَةً فِي الْحِصَارِ: كَانَتِ الْحِنْطَةُ تُسَاوِي كُلُّ ثَلَاثِينَ مَكُّوكًا بِدِينَارٍ، وَالشَّعِيرُ كُلُّ خَمْسِينَ مَكُّوكًا بِدِينَارٍ.
وَكَانَ بَعْضُ عَسْكَرِ جَكَرْمِشَ قَدِ اجْتَمَعُوا بِتَلِّ يَعْفَرَ، فَكَانُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَطْرَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute