فَلَمَّا سَمِعَ الْأَمِيرُ إِيَازُ بِمَسِيرِهِ إِلَيْهِ خَرَجَ هُوَ وَالْعَسْكَرُ الَّذِي مَعَهُ مِنَ الدُّورِ، وَنَصَبُوا الْخِيَامَ بِالزَّاهِرِ، خَارِجَ بَغْدَاذَ، وَجَمَعَ الْأُمَرَاءَ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُهُ، فَبَذَلُوا لَهُ الطَّاعَةَ وَالْيَمِينَ عَلَى قِتَالِهِ وَحَرْبِهِ، وَمَنْعِهِ عَنِ السَّلْطَنَةِ، وَالِاتِّفَاقِ مَعَهُ عَلَى طَاعَةِ مَلِكْشَاهْ بْنِ بَرْكِيَارُقَ.
وَكَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ يَنَّالُ وَصَبَاوَةُ، فَإِنَّهُمَا بَالَغَا فِي الْإِطْمَاعِ فِي السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَالْمَنْعِ لَهُ عَنِ السَّلْطَنَةِ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا قَالَ لَهُ وَزِيرُهُ الصَّفِيُّ أَبُو الْمَحَاسِنِ: يَا مَوْلَانَا إِنَّ حَيَاتِي مَقْرُونَةٌ بِثَبَاتِ نِعْمَتِكَ وَدَوْلَتِكَ، وَأَنَا أَكْثَرُ الْتِزَامًا بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ الرَّأْيُ مَا أَشَارُوا بِهِ، فَإِنَّ كَلَامَهُمْ يَقْصِدُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقًا، وَأَنْ يُقِيمَ سُوقًا لِنَفْسِهِ بِكَ، وَأَكْثَرُهُمْ يُنَاوِئُكَ فِي الْمَنْزِلَةِ، وَإِنَّمَا يَقْعُدُ بِهِمْ عَنْ مُنَازَعَتِكَ قِلَّةُ الْعَدَدِ وَالْمَالِ، وَالصَّوَابُ مُصَالَحَةُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ وَطَاعَتُهُ، وَهُوَ يُقِرُّكَ عَلَى إِقْطَاعِكَ، وَيَزِيدُكَ عَلَيْهِ مَهْمَا أَرَدْتَ.
فَتَرَدَّدَ رَأْيُ الْأَمِيرِ إِيَازَ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالْمُبَايَنَةِ، إِلَّا أَنَّ حَرَكَتَهُ فِي الْمُبَايَنَةِ ظَاهِرَةٌ، وَجَمَعَ السُّفُنَ الَّتِي بِبَغْدَاذَ عِنْدَهُ، وَضَبَطَ الْمَشَارِعَ مِنْ مُتَطَرِّقٍ إِلَى عَسْكَرِهِ وَإِلَى الْبَلَدِ.
وَوَصَلَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ إِلَى بَغْدَاذَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، وَنَزَلَ عِنْدَ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بِأَعْلَى بَغْدَاذَ، وَخُطِبَ لَهُ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، وَلِمَلِكْشَاهْ بْنِ بَرْكِيَارُقَ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، وَأَمَّا جَامِعُ الْمَنْصُورِ فَإِنَّ الْخَطِيبَ قَالَ فِيهِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ سُلْطَانَ الْعَالَمِ! وَسَكَتَ.
وَخَافَ النَّاسُ مِنِ امْتِدَادِ الشَّرِّ وَالنَّهْبِ، فَرَكِبَ إِيَازُ فِي عَسْكَرِهِ، وَهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الْحَرْبِ، وَسَارَ إِلَى أَنْ أَشْرَفَ عَلَى عَسْكَرِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَعَادَ إِلَى مُخَيَّمِهِ، فَدَعَا الْأُمَرَاءَ إِلَى الْيَمِينِ مَرَّةً ثَانِيَةً عَلَى الْمُخَالَصَةِ لِمَلِكْشَاهْ، فَأَجَابَ الْبَعْضُ، وَتَوَقَّفَ الْبَعْضُ، وَقَالُوا: قَدْ حَلَفْنَا مَرَّةً، وَلَا فَائِدَةَ فِي إِعَادَةِ الْيَمِينِ، لِأَنَّنَا إِنْ وَفَّيْنَا بِالْأُولَى وَفَّيْنَا بِالثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ نَفِ بِالْأُولَى فَلَا نَفِي بِالثَّانِيَةِ.
فَأَمَرَ إِيَازُ حِينَئِذٍ وَزِيرَهُ الصَّفِيَّ أَبَا الْمَحَاسِنِ بِالْعُبُورِ إِلَى السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ فِي الصُّلْحِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute