فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَتَهَدَّدُونَهُ بِمَا يَفْعَلُونَهُ بِوَلَدِهِ الَّذِي عِنْدَهُمْ. فَأَعَادَ الْجَوَابَ: إِنَّنِي لَا أَنْزِلُ مِنْ مَكَانِي، وَابْعَثُوا إِلَيَّ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وَلَدِي حَتَّى آكُلَهُ، فَأَيِسُوا مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَأَقَامَ بِأَفَامِيَةَ يُخِيفُ السَّبِيلَ، وَيَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، فَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْفِرِنْجَ مَلَكُوا سَرْمِينَ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ، وَأَهْلُهَا غُلَاةٌ فِي التَّشَيُّعِ، فَلَمَّا مَلَكَهَا الْفِرِنْجُ تَفَرَّقَ أَهْلُهَا، فَتَوَجَّهَ الْقَاضِي الَّذِي بِهَا إِلَى ابْنِ مُلَاعِبٍ وَأَقَامَ عِنْدَهُ، فَأَكْرَمَهُ، وَأَحَبَّهُ، وَوَثِقَ بِهِ، فَأَعْمَلَ الْقَاضِي الْحِيلَةَ عَلَيْهِ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي طَاهِرٍ، الْمَعْرُوفِ بِالصَّائِغِ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ وَوُجُوهِ الْبَاطِنِيَّةِ وَدُعَاتِهِمْ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى الْفَتْكِ بِابْنِ مُلَاعِبٍ، وَأَنْ يُسَلِّمَ أَفَامِيَةَ إِلَى الْمَلِكِ رِضْوَانَ، فَظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، فَأَتَى ابْنُ مُلَاعِبٍ أَوْلَادَهُ، وَكَانُوا قَدْ تَسَلَّلُوا مِنْ مِصْرَ، وَقَالُوا لَهُ: قَدْ بَلَغَنَا عَنْ هَذَا الْقَاضِي كَذَا وَكَذَا، وَالرَّأْيُ أَنْ تُعَاجِلَهُ، وَتَحْتَاطَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدِ اشْتَهَرَ وَظَهَرَ.
فَأَحْضَرَهُ ابْنُ مُلَاعِبٍ، فَأَتَاهُ فِي كُمِّهِ مُصْحَفٌ، لِأَنَّهُ رَأَى أَمَارَاتِ الشَّرِّ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلَاعِبٍ مَا بَلَغَهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنِّي أَتَيْتُكَ خَائِفًا جَائِعًا، فَأَمَّنْتَنِي، وَأَغْنَيْتَنِي، وَعَزَّزْتَنِي، فَصِرْتُ ذَا مَالٍ وَجَاهٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَنْ حَسَدَنِي عَلَى مَنْزِلَتِي مِنْكَ، وَمَا غَمَرَنِي مِنْ نِعْمَتِكَ سَعَى بِي إِلَيْكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَأْخُذَ جَمِيعَ مَا مَعِي، وَأَخْرُجُ كَمَا جِئْتُ.
وَحَلَفَ لَهُ عَلَى الْوَفَاءِ وَالنُّصْحِ، فَقَبِلَ عُذْرَهُ وَأَمَّنُهُ.
وَعَاوَدَ الْقَاضِيَ مُكَاتَبَةَ أَبِي طَاهِرِ بْنِ الصَّائِغِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَافِقَ رِضْوَانَ عَلَى إِنْفَاذِ ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ أَهْلِ سَرْمِينَ، وَيُنْفِذُ مَعَهُمْ خَيْلًا مِنْ خُيُولِ الْفِرِنْجِ، وَسِلَاحًا مِنْ أَسْلِحَتِهِمْ، وَرُءُوسًا مِنْ رُءُوسِ الْفِرِنْجِ، يَأْتُوا إِلَى ابْنِ مُلَاعِبٍ وَيُظْهِرُوا أَنَّهُمْ غُزَاةً وَيَشْكُوا مِنْ سُوءِ مُعَامَلَةِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ وَأَصْحَابِهِ لَهُمْ، وَأَنَّهُمْ فَارَقُوهُ، فَلَقِيَهُمْ طَائِفَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute