مُذْنِبًا، فَافْعَلْ بِي مَا تَرَاهُ.
فَرَقَّ لَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمَّا عَادَ قَضَى نَحْبَهُ، فَلَمَّا مَاتَ عَصَى عَلَى جَكَرْمِشُ مَنْ كَانَ بِسِنْجَارَ، وَتَمَسَّكُوا بِالْبَلَدِ، فَقَاتَلَهُمْ بَقِيَّةَ رَمَضَانَ، وَشَوَّالًا، وَلَمْ يَظْفَرْ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ، فَجَاءَ تُمَيْرَكُ أَخُو أَرْسِلَانَ تَاشْ، عَمُّ أَلْبِي، فَأَصْلَحَ حَالَهُ مَعَ جَكَرْمِشَ، وَبَذَلَ لَهُ الْخِدْمَةَ، فَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ.
ذِكْرُ مُلْكِ طُغْتِكِينَ بُصْرَى
قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ حَالَ بُكْتَاشَ بْنِ تُتُشَ، وَخُرُوجَهُ مِنْ دِمَشْقَ، وَاتِّصَالَهُ بالْفِرِنْجِ، وَمَعَهُ أَيْتِكِينُ الْحَلَبِيُّ، صَاحِبُ بُصْرَى، وَسَيْرَهُمَا إِلَى الرَّحْبَةِ، وَعَوْدَهُمَا عَنْهَا، فَلَمَّا ضَعُفَتْ أَحْوَالُهُمْ سَارَ طُغْتِكِينُ إِلَى بُصْرَى فَحَصَرَهَا، وَبِهَا أَصْحَابُ أَيْتِكِينَ، فَرَاسَلُوا طُغْتِكِينَ، وَبَذَلُوا لَهُ التَّسْلِيمَ إِلَيْهِ، بَعْدَ أَجَلٍ قَرَّرَهُ بَيْنَهُمْ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَرَحَلَ عَنْهُمْ إِلَى دِمَشْقَ، فَلَمَّا انْقَضَى الْأَجَلُ، هَذِهِ السَّنَةَ، تَسَلَّمَهَا، وَأَحْسَنَ إِلَى مَنْ بِهَا، وَوَفَّى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ، وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِمْ، وَكَثُرَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ، وَمَالَتِ النُّفُوسُ إِلَيْهِ، وَأَحَبُّوهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ الْفِرِنْجِ حِصْنَ أَفَامِيَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ الْفِرِنْجُ حِصْنَ أَفَامِيَةَ مِنْ بَلَدِ الشَّامِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ خَلَفَ بْنَ مُلَاعِبٍ الْكِلَابِيَّ كَانَ مُتَغَلِّبًا عَلَى حِمْصَ، وَكَانَ الضَّرَرُ بِهِ عَظِيمًا، وَرِجَالُهُ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، فَكَثُرَ الْحَرَامِيَّةُ عِنْدَهُ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ تُتُشُ بْنُ أَلْبِ أَرْسِلَانَ وَأَبْعَدَهُ عَنْهَا، فَتَقَلَّبَتْ بِهِ الْأَحْوَالُ إِلَى أَنْ دَخَلَ إِلَى مِصْرَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ مَنْ بِهَا، فَأَقَامَ بِهَا.
وَاتَّفَقَ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِأَفَامِيَةَ مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ أَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِ مِصْرَ، وَكَانَ يَمِيلُ إِلَى مَذْهَبِهِمْ، يَسْتَدْعِي مِنْهُمْ مَنْ يُسَلِّمُ إِلَيْهِ الْحِصْنَ، وَهُوَ مِنْ أَمْنَعِ الْحُصُونِ، وَطَلَبَ ابْنُ مُلَاعِبٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُقِيمُ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّنِي أَرْغَبُ فِي قِتَالِ الْفِرِنْجِ، وَأُوثِرُ الْجِهَادَ.
فَسَلَّمُوهُ إِلَيْهِ، وَأَخَذُوا رَهَائِنَهُ، فَلَمَّا مَلَكَهُ خَلَعَ طَاعَتَهُمْ وَلَمْ يَرْعَ حَقَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute