للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَاتَبَ أَعْيَانَ عَسْكَرِ رِضْوَانَ، وَرَغَّبَهُمْ، حَتَّى أَفْسَدَ نِيَّاتِهِمْ، وَتَقَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِنَصِيبِينَ بِخِدْمَةِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ، وَبِإِخْرَاجِ الْإِقَامَاتِ إِلَيْهِ مَعَ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى رِضْوَانَ يَبْذُلُ لَهُ خِدْمَتَهُ، وَالدُّخُولَ فِي طَاعَتِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ السُّلْطَانَ مُحَمَّدًا قَدْ حَصَرَنِي، وَلَمْ يَبْلُغْ مِنِّي غَرَضًا، فَتَرَحَّلَ عَنْ صُلْحٍ، وَإِنْ قَبَضْتَ عَلَى إِيلْغَازِي الَّذِي قَدْ عَرَفْتَ أَنْتَ وَغَيْرُكَ فَسَادَهُ وَشَرَّهُ فَأَنَا مَعَكَ، وَمُعِينُكَ بِالرِّجَالِ وَالْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ.

فَاتَّفَقَ هَذَا، وَرِضْوَانُ قَدْ تَغَيَّرَتْ نِيَّتُهُ مَعَ إِيلْغَازِي، فَازْدَادَ تَغَيُّرًا، وَعَزَمَ عَلَى قَبْضِهِ، فَاسْتَدْعَاهُ يَوْمًا، وَقَالَ لَهُ: هَذِهِ بِلَادٌ مُمْتَنِعَةٌ، وَرُبَّمَا اسْتَوْلَى الْفِرِنْجُ عَلَى حَلَبَ، وَالْمَصْلَحَةُ مُصَالَحَةُ جَكَرْمِشَ، وَاسْتِصْحَابُهُ مَعَنَا، فَإِنَّهُ يَسِيرُ بِعَسَاكِرَ كَثِيرَةٍ ظَاهِرَةِ التَّجَمُّلِ، وَنَعُودُ إِلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعُودُ بِاجْتِمَاعِ شَمْلِ الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهُ إِيلْغَازِي: إِنَّكَ جِئْتَ بِحُكْمِكَ، وَأَنْتَ الْآنُ بِحُكْمِي لَا أُمَكِّنُكَ مِنَ الْمَسِيرِ بِدُونِ أَخْذِ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَإِنْ أَقَمْتَ، وَإِلَّا بَدَأْتُ بِقِتَالِكَ.

وَكَانَ إِيلْغَازِي قَدْ قَوِيَتْ نَفْسُهُ بِكَثْرَةِ مَنِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنَ التُّرْكُمَانِ، وَكَانَ الْمَلِكُ رِضْوَانُ قَدْ وَاعَدَ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَقْبِضُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَرَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَمَرَهُمْ رِضْوَانُ فَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَقَيَّدُوهُ، فَلَمَّا سَمِعَ التُّرْكُمَانُ الْحَالَ أَظْهَرُوا الْخِلَافَ وَالِامْتِعَاضَ، فَفَارَقُوا رِضْوَانَ وَالْتَجَأُوا إِلَى سُورِ الْمَدِينَةِ، وَأَصْعَدَ إِيلْغَازِي إِلَى قَلْعَتِهَا، وَخَرَجَ مَنْ بِنَصِيبِينَ مِنَ الْعَسْكَرِ فَأَعَانُوهُ، فَلَمَّا رَأَى التُّرْكُمَانُ ذَلِكَ تَفَرَّقُوا، وَنَهَبُوا مَا قَدَرُوا مِنَ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا، وَرَحَلَ رِضْوَانُ مِنْ وَقْتِهِ وَسَارَ إِلَى حَلَبَ.

وَكَانَ جَكَرْمِشُ قَدْ رَحَلَ مِنَ الْمَوْصِلِ قَاصِدًا لِحَرْبِ الْقَوْمِ، فَلَمَّا بَلَغَ تَلَّ يَعْفَرَ أَتَاهُ الْمُبَشِّرُونَ بِانْصِرَافِ رِضْوَانِ عَلَى اخْتِلَافٍ وَافْتِرَاقٍ، فَرَحَلَ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى سِنْجَارَ، وَوَصَلَتْ إِلَيْهِ رُسُلُ رِضْوَانَ تَسْتَدْعِي مِنْهُ النَّجْدَةَ، وَيَعْتَدُّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ بإِيلْغَازِي، فَأَجَابَهُ مُغَالَطَةً، وَلَمْ يَفِ لَهُ بِمَا وَعَدَهُ، وَنَازَلَ سِنْجَارَ لِيَشْفِيَ غَيْظَهُ مِنْ صِهْرِهِ أَلْبِي بْنِ أَرْسِلَانَ تَاشْ بِمَا اعْتَمَدَهُ مِنْ مُعَادَاتِهِ، وَمُظَاهَرَةِ أَعْدَائِهِ، وَكَانَ أَلْبِي عَلَى شِدَّةٍ مِنَ الْمَرَضِ بِالسَّهْمِ الَّذِي أَصَابَهُ عَلَى نَصِيبِينَ، فَلَمَّا نَزَلَ جَكَرْمِشُ عَلَيْهَا أَمَرَ أَلْبِي أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوهُ إِلَيْهِ، فَحَمَلُوهُ فِي مِحَفَّةٍ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ، وَأَخَذَ يَعْتَذِرُ مِمَّا كَانَ مِنْهُ، قَالَ: جِئْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>