للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَمْلِهِ أَهْلَكَهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَنَزَلَ إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ وَأَمَّنَ سَيْفُ الدَّوْلَةِ أَهْلَ الْبَصْرَةِ مِنْ كُلِّ أَذًى، وَرَتَّبَ عِنْدَهُمْ شِحْنَةً، وَعَادَ إِلَى الْحِلَّةِ ثَالِثَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْبَصْرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَإِنَّهُ لَمَّا سَارَ صَدَقَةُ إِلَى الْحِلَّةِ قَصَدَ هُوَ الْبَاسِيَانَ إِلَى أَنْ وَصَلَهُ مَالُهُ فِي الْمَرَاكِبِ، وَسَارَ نَحْوَ فَارِسَ، وَصَارَ يَتَعَنَّتُ أَصْحَابَهُ، وَزَوْجَتَهُ، وَقُبِضَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ خَوَاصِّهِ وَقَالَ لَهُمْ: أَنْتُمْ سَقَيْتُمْ وَلَدِي أَفْرَاسِيَابَ السُّمَّ حَتَّى مَاتَ! وَكَانَ قَدْ مَاتَ فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَفَارَقَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، حَتَّى زَوْجَتُهُ فَارَقَتْهُ وَسَارَتْ إِلَى بَغْدَاذَ.

وَأَخَذَتْهُ الْحُمَّى، وَقَوِيَتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَامَهُرْمُزَ انْفَرَدَ فِي خَيْمَتِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِأَصْحَابِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَظَهَرَ لَهُمْ مَوْتُهُ، فَنَهَبُوا مَالَهُ وَتَفَرَّقُوا، فَأَرْسَلَ الْأَمِيرُ بِرَامَهُرْمُزَ فَرَدَّهُمْ وَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَدُفِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ إِيذَاجَ، وَكَانَ عُمْرُهُ قَدْ جَاوَزَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ سِيرَتُهُ قَدْ حَسُنَتْ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَخِيرًا.

ذِكْرُ حَصْرِ رِضْوَانَ نَصِيبِينَ وَعَوْدِهِ عَنْهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، حَصَرَ الْمَلِكُ رِضْوَانُ بْنُ تُتُشَ نَصِيبِينَ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى حَرْبِ الْفِرِنْجِ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ:

إِيلْغَازِي بْنُ أُرْتُقَ، الَّذِي كَانَ شِحْنَةَ بَغْدَاذَ، وَأَصْبَهْبَذ صَبَاوَةُ، وَأَلْبِي بْنُ أَرْسَلَانَ تَاشْ، صَاحِبُ سِنْجَارَ، وَهُوَ صِهْرُ جَكَرْمِشَ، صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، فَقَالَ إِيلْغَازِي: الرَّأْيُ أَنَّنَا نَقْصِدُ بِلَادَ جَكَرْمِشَ، وَمَا وَالَاهَا، فَنَمْلِكُهَا، وَنَتَكَثَّرُ بِعَسْكَرِهَا وَالْأَمْوَالِ. وَوَافَقَهُ أَلْبِي، فَسَارَ إِلَى نَصِيبِينَ فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ، مُسْتَهَلَّ رَمَضَانَ، وَكَانَ قَدْ جَعَلَ فِيهَا أَمِيرَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي عَسْكَرٍ، فَتَحَصَّنُوا بِالْبَلَدِ، وَقَاتَلُوا مِنْ وَرَاءِ السُّورِ، فَرُمِيَ أَلْبِي بْنُ أَرْسِلَانَ تَاشْ بِنُشَّابَةٍ، فَجُرِحَ جَرْحًا شَدِيدًا، فَعَادَ إِلَى سِنْجَارَ.

وَأَمَّا جَكَرْمِشُ فَإِنَّهُ بَلَغَهُ الْخَبَرُ بِنُزُولِهِمْ عَلَى نَصِيبِينَ، وَهُوَ بِالْحَامَّةِ، الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ طَنْزَةَ، يَتَدَاوَى بِمَائِهَا مِنْ مَرَضِهِ، فَرَحَلَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَقَدْ أَجَفَلَ إِلَيْهَا أَهْلُ السَّوَادِ، فَخَيَّمَ عَلَى بَابِ الْبَلَدِ، عَازِمًا عَلَى حَرْبِ رِضْوَانَ، وَاسْتَعْمَلَ الْمُخَادِعَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>