أَصْحَابَهُ فِي الْقِلَاعِ الَّتِي اسْتَجَدَّهَا بِمَطَارَا وَنَهْرِ مَعْقِلٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَاعْتَقَلَ وُجُوهَ الْعَبَّاسِيِّينَ، وَالْعَلَوِيِّينَ، وَقَاضِيَ الْبَصْرَةِ، وَمُدَرَّسَهَا، وَأَعْيَانَ أَهْلِهَا.
وَنَازَلَهُمْ صَدَقَةُ، فَجَرَى قِتَالٌ بَيْنَ طَائِفَةٍ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، قُتِلَ فِيهِ أَبُو النَّجْمِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْوَرَّامِيُّ، وَهُوَ ابْنُ خَالِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ، فَمِمَّا مُدِحَ بِهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ، وِرُثِيَ بِهِ أَبُو النَّجْمِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، قَوْلُ بَعْضِهِمْ:
تَهَنَّ، يَا خَيْرَ مَنْ يَحْمِي حَرِيمَ حِمًى
،
فَتْحًا أَغَثْتَ بِهِ الدُّنْيَا مَعَ الدِّينِ ... رَكِبْتَ لِلْبَصْرَةِ الْغَرَّاءِ فِي نُخَبٍ
غُرٍّ، كَجَيْشِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينِ ... هَوَى أَبُو النَّجْمِ كَالنَّجْمِ الْمُنِيرِ بِهَا
لَكِنَّهُ كَانَ رَجْمًا لِلشَّيَاطِينِ
وَأَقَامَ صَدَقَةُ مُحَاصِرًا لِإِسْمَاعِيلَ بِالْبَصْرَةِ، فَأَشَارَ عَلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِالْعَوْدِ عَنْهَا، وَأَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَظْفَرُونَ بِطَائِلٍ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالْمُقَامِ، وَقَالُوا: إِنَ رَحَلْنَا كَانَتْ كَسْرَةً، وَكَانَ رَأْيُ سَيْفِ الدَّوْلَةِ الْمُقَامَ، وَقَالَ: إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيَّ فَتْحُ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطِعْنِي أَحَدٌ، وَاسْتَعْجَزَنِي النَّاسُ.
ثُمَّ إِنَّ إِسْمَاعِيلَ خَرَجَ مِنَ الْبَلَدِ، وَقَاتَلَ صَدَقَةَ، فَسَارَ بَعْضُ أَصْحَابِ صَدَقَةَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْبَلَدِ، وَدَخَلُوهُ، وَقَتَلُوا مِنَ السَّوَادِيَّةِ، الَّذِينَ جَمَعَهُمْ إِسْمَاعِيلُ، خَلْقًا كَثِيرًا، وَانْهَزَمَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى قَلْعَتِهِ بِالْجَزِيرَةِ، فَأَدْرَكَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ وَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَفَدَاهُ أَحَدُ غِلْمَانِهِ بِنَفْسِهِ، فَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ فِيهِ فَأَثْخَنَتْهُ، فَنُهِبَتِ الْبَصْرَةُ، وَغَنِمَ مَنْ مَعَهُ مِنْ عَرَبِ الْبَرِّ، وَغَيْرِهِمْ مَا فِيهَا، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْمَحَلَّةُ الْمُجَاوِرَةُ لِقَبْرِ طَلْحَةَ وَالْمِرْبَدُ، فَإِنَّ الْعَبَّاسِيِّينَ دَخَلُوا الْمَدْرَسَةَ النِّظَامِيَّةَ وَامْتَنَعُوا بِهَا، وَحَمَوُا الْمِرْبَدَ، وَعَمَّتِ الْمُصِيبَةُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ، سِوَى مَنْ ذَكَرْنَا، وَامْتَنَعَ إِسْمَاعِيلُ بِقَلْعَتِهِ.
فَاتَّفَقَ أَنَّ الْمُهَذَّبَ بْنَ أَبِي الْجَبْرِ انْحَدَرَ فِي سُفُنٍ كَثِيرَةٍ، وَأَخَذَ الْقَلْعَةَ الَّتِي لِإِسْمَاعِيلَ بِمَطَارَا، وَقَتَلَ بِهَا خَلْقًا مِنْ أَصْحَابِ إِسْمَاعِيلَ، وَحَمَلَ إِلَى صَدَقَةَ كَثِيرًا فَأَطْلَقَهُمْ.
فَلَمَّا عَلِمَ إِسْمَاعِيلُ بِذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَى صَدَقَةَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ، وَأَمْوَالِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَأَجَّلَهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَأَخَذَ كُلَّ مَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ مِمَّا يَعُزُّ عَلَيْهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute