للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عُبَادَةَ وَخَفَاجَةَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، كَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ عُبَادَةَ وَخَفَاجَةَ، فَظَفِرَتْ عُبَادَةُ، وَأَخَذَتْ بِثَأْرِهَا مِنْ خَفَاجَةَ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ سَيْفَ الدَّوْلَةِ صَدَقَةُ أَرْسَلَ وَلَدَهُ بَدْرَانَ فِي جَيْشٍ إِلَى طَرَفِ بِلَادِهِ مِمَّا يَلِي الْبَطِيحَةَ لِيَحْمِيَهَا مِنْ خَفَاجَةَ لِأَنَّهُمْ يُؤْذُونَ أَهْلَ تِلْكَ النَّوَاحِي، فَقَرُبُوا مِنْهُ، وَتَهَدَّدُوا أَهْلَ الْبِلَادِ، فَكَتَبَ إِلَى أَبِيهِ يَشْكُو مِنْهُمْ، وَيُعَرِّفُهُ حَالَهُمْ، فَأَحْضَرَ عُبَادَةَ، وَكَانَتْ خَفَاجَةُ قَدْ فَعَلَتْ بِهِمُ الْعَامَ الْمَاضِي مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا حَضَرُوا عِنْدَهُ قَالَ لَهُمْ لِيَتَجَهَّزُوا مَعَ عَسْكَرِهِ، لِيَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ مِنْ خَفَاجَةَ، فَسَارُوا فِي مُقَدَّمِ عَسْكَرِهِ، فَأَدْرَكُوا حِلَّةً مِنْ خَفَاجَةَ مِنْ بَنِي كُلَيْبٍ لَيْلًا، وَهُمْ غَارُّونَ، لَمْ يَشْعُرُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالَتْ عُبَادَةُ: نَحْنُ أَصْحَابٌ لِدُيُونٍ، فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ عُبَادَةُ، فَقَاتَلُوهُمْ، وَصَبَرَتْ خَفَاجَةُ، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْقِتَالِ إِذْ سُمِعَ طَبْلُ الْجَيْشِ، فَانْهَزَمُوا، وَقَتَلَتْ مِنْهُمْ عُبَادَةُ جَمَاعَةً، وَكَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ مِنْ وُجُوهِهِمْ، وَتَرَكُوا حَرَمَهُمْ، فَأَمَرَ صَدَقَةُ بِحِرَاسَتِهِنَّ وَحِمَايَتِهِنَّ، وَأَمْرَ الْعَسْكَرِ أَنْ يُؤْثِرُوا عُبَادَةَ بِمَا غَنِمُوهُ مِنْ أَمْوَالِ خَفَاجَةَ، خَلَفًا لَهُمْ عَمَّا أُخِذَ مِنْهُمْ فِي الْعَامِ الْمَاضِي.

وَأَصَابَ خَفَاجَةَ مِنْ مُفَارَقَةِ بِلَادِهَا، وَنَهْبِ أَمْوَالِهَا، وَقَتْلِ رِجَالِهَا، أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَانْتَزَحَتْ إِلَى نَوَاحِي الْبَصْرَةِ، وَأَقَامَتْ عُبَادَةُ فِي بِلَادِ خَفَاجَةَ.

وَلَمَّا انْهَزَمَتْ خَفَاجَةُ وَتَفَرَّقَتْ وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهَا، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ إِلَى الْأَمِيرِ صَدَقَةَ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّكَ سَبَيْتَنَا، وَسَلَبْتَنَا قُوَّتَنَا، وَغَرَّبْتَنَا، وَأَضَعْتَ حُرْمَتَنَا، قَابَلَكَ اللَّهُ فِي نَفْسِكَ، وَجَعَلَ صُورَةَ أَهْلِكَ كَصُورَتِنَا، فَكَظَمَ الْغَيْظَ وَاحْتَمَلَ لَهَا ذَلِكَ، وَأَعْطَاهَا أَرْبَعِينَ جَمَلًا، وَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ حَتَّى قَابَلَ اللَّهُ صَدَقَةَ فِي نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ، فَإِنَّ دُعَاءَ الْمَلْهُوفِ عِنْدَ اللَّهِ بِمَكَانٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>