ذِكْرُ مَسِيرِ جَاوْلِي سَقَاوُوا إِلَى الْمَوْصِلِ وَأَسْرِ صَاحِبِهَا جَكَرْمِشَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي الْمُحَرَّمِ، أَقْطَعَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدَ جَاوْلِي سِقَاوُو الْمُوصِلَ، وَالْأَعْمَالَ الَّتِي بِيَدِ جَكَرْمِشَ، وَكَانَ جَاوْلِي قَبْلَ هَذَا قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي بَيْنَ خُوزِسْتَانَ وَفَارِسَ، وَأَقَامَ بِهَا سِنِينَ، وَعَمَّرَ قِلَاعَهَا وَحَصَّنَهَا، وَأَسَاءَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهَا، وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَجَدَعَ أُنُوفَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ.
فَلَمَّا تَمَكَّنَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ مِنَ السَّلْطَنَةِ خَافَهُ جَاوْلِي، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ الْأَمِيرَ مَوْدُودَ بْنَ أَلْتُونْتِكِينَ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ جَاوْلِي، وَحَصَرَهُ مَوْدُودُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، فَأَرْسَلَ جَاوْلِي إِلَى السُّلْطَانِ: إِنَّنِي لَا أَنْزِلُ إِلَى مَوْدُودٍ، فَإِنْ أَرْسَلْتَ غَيْرَهُ نَزَلْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ مَعَ أَمِيرٍ آخَرَ، فَنَزَلَ جَاوْلِي، وَحَضَرَ الْخِدْمَةَ بأَصْبَهَانَ، فَرَأَى مِنَ السُّلْطَانِ مَا يُحِبُّ، وَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْفِرِنْجِ لِيَأْخُذَ الْبِلَادَ مِنْهُمْ، وَأَقْطَعَهُ الْمَوْصِلَ وَدِيَارَ بَكْرٍ وَالْجَزِيرَةَ كُلَّهَا.
وَكَانَ جَكَرْمِشُ لَمَّا عَادَ مِنْ عِنْدِ السُّلْطَانِ إِلَى بِلَادِهِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَدَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِدْمَةَ، وَحَمْلَ الْمَالِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِبِلَادِهِ لَمْ يَفِ بِمَا قَالَ، وَتَثَاقَلَ فِي الْخِدْمَةِ وَحَمْلِ الْمَالِ، فَأَقْطَعَ بِلَادَهُ لِجَاوْلِي، فَجَاءَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى الْبَوَازِيجِ، فَمَلَكَهَا وَنَهَبَهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، بَعْدَ أَنْ أَمَّنَ أَهْلَهَا، وَحَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ يَحْمِيهِمْ، فَلَمَّا مَلَكَهَا سَارَ إِلَى إِرَبْلَ.
وَأَمَّا جَكَرْمِشُ فَلَمَّا بَلَغَهُ مَسِيرُهُ إِلَى بِلَادِهِ كَتَبَ فِي جَمِيعِ الْعَسَاكِرِ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي الْهَيْجَاءِ بْنِ مُوسَكَ الْكُرْدِيِّ الْهَذَبَانِيِّ، صَاحِبِ إِرَبْلَ، يَذْكُرُ اسْتِيلَاءَ جَاوْلِي عَلَى الْبَوَازِيجِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنْ لَمْ تُعَجِّلِ الْمَجِيءَ لِنَجْتَمِعَ عَلَيْهِ وَنَمْنَعَهُ، وَإِلَّا اضْطُرِرْتُ إِلَى مُوَافَقَتِهِ وَالْمَصِيرِ مَعَهُ، فَبَادَرَ جَكَرْمِشُ وَعَبَرَ إِلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ، وَسَارَ إِلَى عَسْكَرِ الْمَوْصِلِ قَبْلَ اجْتِمَاعِ عَسَاكِرِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُو الْهَيْجَاءِ عَسْكَرَهُ مَعَ أَوْلَادِهِ، فَاجْتَمَعُوا بِقَرْيَةِ بَاكَلْبَا مِنْ أَعْمَالِ إِرَبْلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute