وَوَافَاهُمْ جَاوْلِي وَهُوَ فِي أَلْفِ فَارِسٍ، وَكَانَ جَكَرْمِشُ فِي أَلْفَيْ فَارِسٍ، وَلَا يَشُكُّ أَنَّهُ يَأْخُذُ جَاوْلِي بِالْيَدِ، فَلَمَّا اصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ حَمَلَ جَاوْلِي مِنَ الْقَلْبِ عَلَى قَلْبِ جَكَرْمِشَ فَانْهَزَمَ مَنْ فِيهِ، وَبَقِيَ جَكَرْمِشُ وَحْدَهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْهَزِيمَةِ لِفَالِجٍ كَانَ بِهِ، فَهُوَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرْكَبَ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ فِي مِحَفَّةٍ، فَلَمَّا انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ قَاتَلَ عَنْهُ رِكَابِيٌّ أَسْوَدُ قِتَالًا عَظِيمًا، فَقُتِلَ، وَقَاتَلَ مَعَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَلِكِ قَارُوتَ بِكْ بْنِ دَاوُدَ، اسْمُهُ أَحْمَدُ، فَقَاتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَطُعِنَ فَجُرِحَ وَانْهَزَمَ، فَمَاتَ بِالْمَوْصِلِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَصْحَابُ جَاوْلِي عَلَى الْوُصُولِ إِلَى جَكَرْمِشَ، حَتَّى قُتِلَ الرِّكَابِيُّ الْأَسْوَدُ فَحِينَئِذٍ أَخَذُوهُ أَسِيرًا وَأَحْضَرُوهُ عِنْدَ جَاوْلِي، فَأَمَرَ بِحِفْظِهِ وَحِرَاسَتِهِ.
وَكَانَتْ عَسَاكِرُ جَكَرْمِشَ الَّتِي اسْتَدْعَاهَا، قَدْ وَصَلَتْ إِلَى الْمَوْصِلِ بَعْدَ مَسِيرِهِ بِيَوْمَيْنِ، فَسَارُوا جَرَائِدَ لِيُدْرِكُوا الْحَرْبَ، فَلَقِيَهُمُ الْمُنْهَزِمُونَ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا.
ذِكْرُ حَصْرِ جَاوْلِي سَقَاوُو الْمَوْصِلَ وَمَوْتِ جَكَرْمِشَ
لَمَّا انْهَزَمَ الْعَسْكَرُ، وَأُسِرَ جَكَرْمِشُ، وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَأَقْعَدُوا فِي الْأَمْرِ زِنْكِي بْنَ جَكَرْمِشَ، وَهُوَ صَبِيٌّ عَمْرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَخَطَبُوا لَهُ، وَأَحْضَرُوا أَعْيَانَ الْبَلَدِ، وَالْتَمَسُوا مِنْهُمُ الْمُسَاعَدَةَ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ.
وَكَانَ مُسْتَحْفِظُ الْقَلْعَةِ مَمْلُوكًا لِجَكَرْمِشَ اسْمُهُ غَزْغَلِي، فَقَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامَ الْمُرْضِيَ، وَفَرَّقَ الْأَمْوَالَ الَّتِي جَمَعَهَا جَكَرْمِشُ، وَالْخُيُولَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ عَلَى الْجُنْدِ، وَكَاتَبَ سَيْفَ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ، وَقِلْجَ أَرْسِلَانَ، وَالْبُرْسُقِيَّ، شِحْنَةَ بَغْدَاذَ، بِالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهِمْ، وَمَنْعِ جَاوْلِي مِنْهُمْ، وَوَعَدُوا كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يُسَلِّمُوا الْبَلَدَ إِلَيْهِ.
فَأَمَّا صَدَقَةُ فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَرَأَى طَاعَةَ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا الْبُرْسُقِيُّ وَقِلْجُ أَرْسِلَانَ فَنَذْكُرُ حَالَهُمَا.
ثُمَّ إِنَّ جَاوْلِي حَصَرَ الْمَوْصِلَ، وَمَعَهُ كَرْمَاوِيُّ بْنُ خُرَاسَانَ التُّرْكُمَانِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَأَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ جَكَرْمِشُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى بَغْلٍ وَيُنَادِي أَصْحَابَهُ بِالْمَوْصِلِ لِيُسَلِّمُوا الْبَلَدَ وَيُخَلِّصُوا صَاحِبَهُمْ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَيَأْمُرُهُمْ هُوَ بِذَلِكَ، فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute