أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ الشَّهْرَزُورِيِّ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْمَوْصِلِ، وَجَعَلَ الرِّئَاسَةَ لِأَبِي بَرَكَاتٍ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَمِيسٍ، وَهُوَ وَالِدُ شَيْخِنَا أَبِي الرَّبِيعِ سُلَيْمَانَ.
وَكَانَ فِي جُمْلَةِ قِلْجِ أَرْسِلَانَ الْأَمِيرُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَنَّالَ التُّرْكُمَانِيُّ، صَاحِبُ آمِدَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَبْقَ التُّرْكُمَانِيُّ، صَاحِبُ حِصْنِ زِيَادٍ، وَهُوَ خَرْتَبِرْتُ.
فَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَنَّالَ فَكَانَ سَبَبُ مُلْكِهِ لِمَدِينَةِ آمِدَ أَنَّ تَاجَ الدَّوْلَةِ تُتُشَ، حِينَ مَلَكَ دِيَارَ بَكْرٍ، سَلَّمَهَا إِلَيْهِ، فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ، وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَبْقَ فَكَانَ سَبَبُ مُلْكِهِ لِحِصْنِ زِيَادٍ أَنَّ هَذَا الْحِصْنَ كَانَ بِيَدِ الْفَلَادْرُوسِ الرُّومِيِّ، تُرْجُمَانِ مَلِكِ الرُّومِ، وَكَانَتِ الرُّهَا وَأَنْطَاكِيَةُ مِنْ أَعْمَالِهِ، فَلَمَّا مَلَكَ سُلَيْمَانُ بْنُ قُتُلْمِشَ، وَالِدُ قِلْجِ أَرْسِلَانَ هَذَا أَنْطَاكِيَةَ، وَمَلَكَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ بْنُ جَهِيرٍ دِيَارَ بَكْرٍ، ضَعُفَ الْفَلَادْرُوسُ عَنْ إِقَامَةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ حِصْنُ زِيَادٍ مِنَ الْمِيرَةِ وَالْإِقَامَةِ، فَأَخَذَهُ جَبْقُ، وَأَسْلَمَ الْفَلَادْرُوسُ عَلَى يَدِ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ، وَأَمَّرَهُ عَلَى الرُّهَا، فَلَمْ يَزَلْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ وَأَخَذَهَا الْأَمِيرُ بَزَّانُ بَعْدَهُ.
وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ حِصْنِ زِيَادٍ حِصْنٌ آخَرُ بِيَدِ إِنْسَانٍ مِنَ الرُّومِ اسْمُهُ إِفْرِنْجِيُّ، وَكَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، وَيُكْثِرُ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ جَبْقُ هَدِيَّةً، وَخَطَبَ إِلَيْهِ مَوَدَّتَهُ، وَأَنْ يُعِينَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَانَ جَبْقُ يُعِينُ إِفْرِنْجِيَّ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إِفْرِنْجِيُّ يُعِينَ جَبْقَ، فَلَمَّا وَثَقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ جَبْقُ: إِنِّي أُرِيدُ قَصْدَ بَعْضِ الْأَمَاكِنِ، وَطَلَبَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ أَصْحَابَهُ، فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَارُوا مَعَهُ فِي الطَّرِيقِ تَقَدَّمَ بِكَتِفِهِمْ، وَحَمَلَهُمْ إِلَى قَلْعَةِ إِفْرِنْجِيَّ، وَقَالَ لِأَهْلِيهِمْ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُسَلِّمُوا إِلَيَّ إِفْرِنْجِيَّ لَأَضْرِبَنَّ أَعْنَاقَهُمْ، وَلَآخُذَنَّ الْحِصْنَ عَنْوَةً، وَلَأَقْتُلَنَّكُمْ عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ. فَفَتَحُوا لَهُ الْحِصْنَ، وَسَلَّمُوا إِلَيْهِ إِفْرِنْجِيَّ، فَسَلَخَهُ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُ وَسِلَاحَهُ، وَكَانَ عَظِيمًا، وَمَاتَ جَبْقُ، فَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ.
ذِكْرُ قَتْلِ قِلْجِ أَرْسِلَانَ وَمُلْكِ جَاوْلِي الْمَوْصِلِ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِلْجِ أَرْسِلَانَ لَمَّا وَصَلَ إِلَى نَصِيبِينَ سَارَ جَاوْلِي عَنِ الْمَوْصِلِ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute