للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سِنْجَارَ، ثُمَّ إِلَى الرَّحْبَةِ، فَوَصَلَهَا فِي رَجَبٍ، وَحَصَرَهَا إِلَى الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ صَاحِبُهَا يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ السَّبَّاقِ، وَهُوَ مَنْ بَنِي شَيْبَانَ، رَتَّبَهُ بِهَا الْمَلِكُ دُقَاقُ لَمَّا فَتَحَهَا، وَأَخَذَ وَلَدَهُ رَهِينَةً، وَحَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَرْسَلَ هَذَا الشَّيْبَانِيُّ قَوْمًا سَرَقُوا وَلَدَهُ وَحَمَلُوهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ خَلَعَ الطَّاعَةَ لِلدِّمَشْقِيِّينَ، وَخَطَبَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِقِلْجِ أَرْسِلَانَ. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا جَاوْلِي وَحَصَرَهَا، أَرْسَلَ إِلَى الْمَلِكِ رِضْوَانَ يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِهِ وَمُسَاعَدَتِهِ عَلَى مَنْ يُحَارِبُهُ، وَيَشْرُطُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا تَسَلَّمَ الْبِلَادَ سَارَ مَعَهُ لِيَكْشِفَ الْفِرِنْجَ عَنْ بِلَادِهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ بَيْنَهُمَا حَضَرَ عِنْدَهُ رِضْوَانُ، فَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأُمُورُ.

وَاتَّفَقَ جَمَاعَةٌ كَانُوا بِأَحَدِ الْأَبْرَاجِ، وَأَرْسَلُوا إِلَى جَاوْلِي، وَاسْتَحْلَفُوهُ عَلَى حِفْظِهِمْ وَحِرَاسَتِهِمْ، وَأَمَرُوهُ أَنْ يَقْصِدَ الْبُرْجَ الَّذِي هُمْ فِيهِ عِنْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَرَفَعَ مَنْ فِي الْبُرْجِ أَصْحَابَهُ إِلَيْهِمْ فِي الْحِبَالِ، فَضَرَبُوا بُوقَاتِهِمْ وَطُبُولَهُمْ، فَخُذِلَ مَنْ فِي الْبَلَدِ، وَدَخَلَ أَصْحَابُ جَاوْلِي فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَنَهَبُوهُ إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِرَفْعِ النَّهْبِ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ صَاحِبُ الْبَلَدِ، وَأَطَاعَهُ، وَصَارَ مَعَهُ.

ثُمَّ إِنَّ قِلْجَ أَرْسِلَانَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْمَوْصِلِ سَارَ عَنْهَا إِلَى جَاوْلِي سَقَاوُو لِيُحَارِبَهُ، وَجَعَلَ ابْنَهُ مَلِكْشَاهْ فِي دَارِ الْإِمَارَةِ، وَعُمْرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَعَهُ أَمِيرٌ يُدَبِّرُهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَكَانَتْ عِدَّةُ عَسْكَرِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ بِالْعُدَّةِ الْكَامِلَةِ وَالْخَيْلِ الْجَيِّدَةِ.

وَسَمِعَ الْعَسْكَرُ بِقُوَّةِ جَاوْلِي، فَاخْتَلَفُوا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَنَّالَ، صَاحِبُ آمِدَ، فَإِنَّهُ فَارَقَ خِيَامَهُ وَأَثْقَالَهُ وَعَادَ مِنَ الْخَابُورِ إِلَى بَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ، وَعَمِلَ قِلْجُ أَرْسِلَانُ عَلَى الْمُطَاوَلَةِ لَمَّا بَلَغَهُ مِنْ قُوَّةِ جَاوْلِي وَكَثْرَةِ جُمُوعِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى بِلَادِهِ يَطْلُبُ عَسْكَرَهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ مَلِكِ الرُّومِ نَجْدَةً لَهُ عَلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْخَابُورِ بَلَغَتْ عِدَّتُهُ خَمْسَةَ آلَافٍ. وَكَانَ مَعَ جَاوْلِي أَرْبَعَةُ آلَافٍ، مِنْ جُمْلَتِهِمُ الْمَلِكُ رِضْوَانُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ عَسْكَرِهِ، إِلَّا أَنَّ شُجْعَانَهُ أَكْثَرُ، وَاغْتَنَمَ جَاوْلِي قِلَّةَ عَسْكَرِ قِلْجِ أَرْسِلَانَ، فَقَاتَلَهُ قَبْلَ وُصُولِ عَسَاكِرِهِ إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا فِي الْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَحَمَلَ قِلْجُ أَرْسِلَانَ عَلَى الْقَوْمِ بِنَفْسِهِ، حَتَّى خَالَطَهُمْ، فَضَرَبَ يَدَ صَاحِبِ الْعَلَمِ فَأَبَانَهَا، وَوَصَلَ إِلَى جَاوْلِي بِنَفْسِهِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>