فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ أَمَرَ السُّلْطَانُ الْأُمَرَاءَ كَافَّةً بِتَلَقِّيهِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ شَبَّارَتَهُ وَفِيهَا دَسْتُهُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِيَرْكَبَ فِيهَا، فَلَمَّا نَزَلَ إِلَيْهَا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ مَوْضِعِ السُّلْطَانِ، فَقَالَ لَهُ مَنْ بِهَا مِنْ خَوَاصِّ السُّلْطَانِ: قَدْ أُمِرْنَا أَنْ يَكُونَ جُلُوسُكَ فِي دَسْتِ السُّلْطَانِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ أَجْلَسَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِهِ.
وَسَيَّرَ الْخَلِيفَةُ خَوَاصَّهُ، وَجَمَاعَةَ أَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ، فَلَقُوهُ، وَأَنْزَلَهُ الْخَلِيفَةُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ الْجِرَايَةَ الْعَظِيمَةَ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا فَعَلَ السُّلْطَانُ، وَفَعَلَ مَعَهُ مَا لَمْ يَفْعَلْ مَعَ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مَعَهُمْ أَمْثَالِهِ، وَهَذَا جَمِيعُهُ ثَمَرَةُ الْجِهَادِ فِي الدُّنْيَا، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ.
وَلَمَّا اجْتَمَعَ بِالسُّلْطَانِ قَدَّمَ هَدِيَّتَهُ، وَسَأَلَ السُّلْطَانَ عَنْ حَالِهِ، وَمَا يُعَانِيهِ فِي مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ، وَيُقَاسِيهِ مِنْ رُكُوبِ الْخُطُوبِ فِي قِتَالِهِمْ، فَذَكَرَ لَهُ حَالَهُ، وَقُوَّةَ عَدُّوِهِ، وَطُولَ حَصْرِهِ، وَطَلَبَ النَّجْدَةَ، وَضَمِنَ أَنَّهُ إِذَا سُيِّرَتِ الْعَسَاكِرُ مَعَهُ أَوْصَلَ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا يَلْتَمِسُونَهُ، فَوَعَدَهُ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ، وَحَضَرَ دَارَ الْخِلَافَةِ، وَذَكَرَ أَيْضًا نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَحَمَلَ هَدِيَّةً جَمِيلَةً نَفِيسَةً، وَأَقَامَ إِلَى أَنْ رَحَلَ السُّلْطَانُ عَنْ بَغْدَاذَ فِي شَوَّالٍ، فَأَحْضَرَهُ عِنْدَهُ بِالنَّهْرَوَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَى الْأَمِيرِ حُسَيْنِ بْنِ أَتَابِكَ قَتْلُغْ تِكِينَ لِيُسَيِّرَ مَعَهُ الْعَسَاكِرَ الَّتِي سَيَّرَهَا إِلَى الْمَوْصِلِ مَعَ الْأَمِيرِ مَوْدُودٍ لِقِتَالِ جَاوْلِي سَقَّاوُو، لِيَمْضُوا مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ خِلَعًا نَفِيسَةً، وَأَعْطَاهُ شَيْئًا كَثِيرًا، وَوَدَّعَهُ، وَسَارَ وَمَعَهُ الْأَمِيرُ حُسَيْنٌ فَلَمْ يَجِدْ ذَلِكَ نَفْعًا، وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ إِنَّ فَخْرَ الْمُلْكِ بْنَ عَمَّارٍ عَادَ إِلَى دِمَشْقَ مُنْتَصَفَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، وَتَوَجَّهَ مِنْهَا مَعَ عَسْكَرٍ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى جَبَلَةَ، فَدَخَلَهَا وَأَطَاعَهُ أَهْلُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute