أَبِي الشَّوْكِ الْكُرْدِيِّ، وَأَبِي الْهَيْجَاءِ، صَاحِبِ إِرْبَلَ، بِالْمَسِيرِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَبِلَادِ جَاوْلِي، وَأَخْذِهَا مِنْهُ، فَتَوَجَّهُوا نَحْوَ الْمَوْصِلِ، فَوَجَدُوا جَاوْلِي عَاصِيًا قَدْ شَيَّدَ سُورَ الْمَوْصِلِ، وَأَحْكَمَ مَا بَنَاهُ جَكَرْمِشُ، وَأَعَدَّ الْمِيرَةَ وَالْأَقْوَاتِ وَالْآلَاتِ، وَاسْتَظْهَرَ عَلَى الْأَعْيَانِ بِالْمَوْصِلِ، فَحَبَسَهُمْ، وَأَخْرَجَ مِنْ أَحْدَاثِهَا مَا يَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا، وَنَادَى: مَتَى اجْتَمَعَ عَامِّيَّانِ عَلَى الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْأَمْرِ قَتَلَهَمَا، وَخَرَجَ عَنِ الْبَلَدِ، وَنَهَبَ السَّوَادَ.
وَتَرَكَ بِالْبَلَدِ زَوْجَتَهُ ابْنَةَ بُرْسُقَ، وَأَسْكَنَهَا الْقَلْعَةَ، وَمَعَهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ فَارِسٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ، سِوَى غَيْرِهِمْ، وَسِوَى الرَّجَّالَةِ، وَنَزَلَ الْعَسْكَرُ عَلَيْهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِمِائَةٍ، وَصَادَرَتْ زَوْجَتُهُ مَنْ بَقِيَ بِالْبَلَدِ، وَعَسَفَتْ نِسَاءَ الْخَارِجِينَ عَنْهُ، وَبَالَغَتْ فِي الِاحْتِرَازِ عَلَيْهِمْ، فَأَوْحَشَهُمْ ذَلِكَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الِانْحِرَافِ عَنْهَا، وَقُوتِلَ أَهْلُ الْبَلَدِ قِتَالًا مُتَتَابِعًا، فَتَمَادَى الْحِصَارُ بِأَهْلِهَا مِنْ خَارِجٍ، وَالظُّلْمُ مِنْ دَاخِلٍ إِلَى آخِرِ الْمُحَرَّمِ، وَالْجُنْدُ بِهَا يَمْنَعُونَ عَامِّيًّا مِنَ الْقُرْبِ مِنَ السُّورِ.
فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، اتَّفَقَ نَفَرٌ مِنَ الْجَصَّاصِينَ - وَمُقَدَّمُهُمْ جَصَّاصٌ يُعْرَفُ بِالسَّعْدِيِّ - عَلَى تَسْلِيمِ الْبَلَدِ، وَتَحَالَفُوا عَلَى التَّسَاعُدِ، وَأَتَوْا وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَالنَّاسُ بِالْجَامِعِ، وَصَعِدُوا بُرْجًا، وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَهُ، وَقَتَلُوا مَنْ بِهِ مِنَ الْجُنْدِ، وَكَانُوا نِيَامًا، فَلَمْ يَشْعُرُوا بِشَيْءٍ، حَتَّى قُتِلُوا، وَأَخَذُوا سِلَاحَهُمْ، وَأَلْقَوْهُمْ إِلَى الْأَرْضِ، وَمَلَكُوا بُرْجًا آخَرَ.
وَوَقَعَتِ الصَّيْحَةُ، وَقَصَدَهُمْ مِائَتَا فَارِسٍ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَرَمَوْهُمْ بِالنُّشَّابِ، وَهُمْ يُقَاتِلُونَ، وَيُنَادُونَ بِشِعَارِ السُّلْطَانِ، فَزَحَفَ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ إِلَيْهِمْ، وَدَخَلُوا الْبَلَدَ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ، وَمَلَكُوهُ، وَدَخَلَهُ الْأَمِيرُ مَوْدُودٌ، وَنُودِيَ بِالسُّكُونِ وَالْأَمْنِ، وَأَنْ يَعُودَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَأَمْلَاكِهِمْ، وَأَقَامَتْ زَوْجَةُ جَاوْلِي بِالْقَلْعَةِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَرَاسَلَتِ الْأَمِيرَ مَوْدُودًا فِي أَنْ يُفْرِجَ لَهَا عَنْ طَرِيقِهَا، وَأَنْ يَحْلِفَ لَهَا عَلَى الصِّيَانَةِ وَالْحِرَاسَةِ، فَحَلَفَ، وَخَرَجَتْ إِلَى أَخِيهَا بُرْسُقَ بْنِ بُرْسُقَ، وَمَعَهَا أَمْوَالُهَا وَمَا اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ وَوَلِيَ مَوْدُودٌ الْمَوْصِلَ وَمَا يَنْضَافُ إِلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute