للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ حَالِ جَاوْلِي مُدَّةَ الْحِصَارِ

وَأَمَّا جَاوْلِي فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ، وَحَصَرَهَا، سَارَ عَنْهَا، وَأَخَذَ مَعَهُ الْقُمَّصَ، صَاحِبَ الرُّهَا، الَّذِي كَانَ قَدْ أَسَرَهُ سَقْمَانُ وَأَخَذَهُ مِنْهُ جَكَرْمِشُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، وَسَارَ إِلَى نَصِيبِينَ، وَهِيَ حِينَئِذٍ لِلْأَمِيرِ إِيلْغَازِي بْنِ أُرْتُقَ، وَرَاسَلَهُ وَسَأَلَهُ الِاجْتِمَاعَ بِهِ، وَاسْتَدْعَاهُ إِلَى مُعَاضَدَتِهِ، وَأَنْ يَكُونَا يَدًا وَاحِدَةً، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ خَوْفَهُمَا مِنَ السُّلْطَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَهُمَا عَلَى الِاحْتِمَاءِ مِنْهُ. فَلَمْ يُجِبْهُ إِيلْغَازِي إِلَى ذَلِكَ، وَرَحَلَ عَنْ نَصِبِينَ، وَرَتَّبَ بِهَا وَلَدَهُ، وَأَمَرَهُ بِحِفْظِهَا مِنْ جَاوْلِي، وَأَنْ يُقَاتِلَهُ إِنْ قَصَدَهُ، وَسَارَ إِلَى مَارِدِينَ.

فَلَمَّا سَمِعَ جَاوْلِي ذَلِكَ عَدَلَ عَنْ نَصِيبِينَ، وَقَصَدَ دَارَا وَأَرْسَلَ إِلَى إِيلْغَازِي ثَانِيًا فِي الْمَعَانِي، وَسَارَ بَعْدَ الرَّسُولِ، فَبَيْنَمَا رَسُولُهُ عِنْدَ إِيلْغَازِي بِمَارِدِينَ، لَمْ يَشْعُرْ إِلَّا وَجَاوْلِي مَعَهُ فِي الْقَلْعَةِ وَحْدَهُ، وَقَصَدَ أَنْ يَتَأَلَّفَهُ وَيَسْتَمِيلَهُ، فَلَمَّا رَآهُ إِيلْغَازِي قَامَ إِلَيْهِ، وَخَدَمَهُ، وَلَمَّا رَأَى جَاوْلِي مُحْسِنًا لِلظَّنِّ فِيهِ، غَيْرَ مُسْتَشْعِرٍ مِنْهُ، لَمْ يَجِدْ إِلَى دَفْعِهِ سَبِيلًا، فَنَزَلَ مَعَهُ، وَعَسْكَرَا بِظَاهِرِ نَصِبِينَ، وَسَارَا مِنْهَا إِلَى سِنْجَارَ، وَحَاصَرَاهَا مُدَّةً، فَلَمْ يُجِبْهُمَا صَاحِبُهَا إِلَى صُلْحٍ فَتَرَكَاهُ وَسَارَا نَحْوَ الرَّحْبَةِ، وَإِيلْغَازِي يُظْهِرُ لِجَاوْلِي الْمُسَاعَدَةَ، وَيُبْطِنُ الْخِلَافَ، وَيَنْتَظِرُ فُرْصَةً لِيَنْصَرِفَ عَنْهُ، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى عَرَبَانَ، مِنَ الْخَابُورِ، هَرَبَ إِيلْغَازِي لَيْلًا وَقَصَدَ نَصِيبِينَ.

ذِكْرُ إِطْلَاقِ جَاوْلِي لِلْقُمُّصِ الْفِرِنْجِيِّ

لَمَّا هَرَبَ إِيلْغَازِي مِنْ جَاوْلِي سَارَ جَاوْلِي إِلَى الرَّحْبَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مَاكِسِينَ أَطْلَقَ الْقُمَّصَ الْفِرِنْجِيَّ، الَّذِي كَانَ أَسِيرًا بِالْمَوْصِلِ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ، وَاسْمَهُ بَرْدَوِيلُ، وَكَانَ صَاحِبَ الرُّهَا وَسَرُوجَ وَغَيْرِهِمَا، وَبَقِيَ فِي الْحَبْسِ إِلَى الْآنِ، وَبَذَلَ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ، فَلَمْ يُطْلَقْ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ أَطْلَقَهُ جَاوْلِي، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مُقَامُهُ فِي السِّجْنِ مَا يُقَارِبُ خَمْسَ سِنِينَ، وَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِمَالٍ، وَأَنْ يُطْلِقَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي سِجْنِهِ، وَأَنْ يَنْصُرَهُ مَتَى أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَعَسْكَرِهِ وَمَالِهِ.

فَلَمَّا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ سَيَّرَ الْقُمَّصَ إِلَى قَلْعَةِ جَعْبَرَ، وَسَلَّمَهُ إِلَى صَاحِبِهِمَا سَالِمِ بْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>