مَالِكٍ، حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهِ ابْنُ خَالَتِهِ جُوسْلِينُ، وَهُوَ مِنْ فُرْسَانِ الْفِرِنْجِ وَشُجْعَانِهَا، وَهُوَ صَاحِبُ تَلِّ بَاشِرَ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ أُسِرَ مَعَ الْقُمَّصِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ، فَفَدَى نَفْسَهُ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا وَصَلَ جُوسْلِينَ إِلَى قَلْعَةِ جَعْبَرَ أَقَامَ رَهِينَةً عِوَضَ الْقُمَّصِ، وَأُطْلِقَ الْقُمَّصُ، وَسَارَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَأَخَذَ جَاوْلِي جُوسْلِينَ مِنْ قَلْعَةِ جَعْبَرَ فَأَطْلَقَهُ، وَأَخَذَ عِوَضَهُ أَخَا زَوْجَتِهِ، وَأَخَا زَوْجَةِ الْقُمَّصِ، وَسَيَّرَهُ إِلَى الْقُمَّصِ لِيَقْوَى بِهِ، وَلِيُحِثَّهُ عَلَى إِطْلَاقِ الْأَسْرَى، وَإِنْفَاذِ الْمَالِ وَمَا ضَمِنَهُ، فَلَمَّا وَصَلَ جُوسْلِينُ إِلَى مَنْبِجَ أَغَارَ عَلَيْهَا وَنَهَبَهَا، وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ جَاوْلِي، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَنَسَبُوهُ إِلَى الْغَدْرِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ لَيْسَتْ لَكُمْ.
ذِكْرُ مَا جَرَى بَيْنَ هَذَا الْقُمَّصِ وَبَيْنَ صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ
لَمَّا أُطْلِقَ الْقُمَّصُ وَسَارَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ أَعْطَاهُ طَنْكَرِي صَاحِبُهَا ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَخَيْلًا، وَثِيَابًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَكَانَ طَنْكَرِي قَدْ أَخَذَ الرُّهَا مِنْ أَصْحَابِ الْقُمَّصِ حِينَ أُسِرَ، فَخَاطَبَهُ الْآنَ فِي رَدِّهَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى تَلِّ بَاشِرَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ جُوسْلِينُ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ جَاوْلِي، سَرَّهُ ذَلِكَ، وَفَرِحَ بِهِ.
وَسَارَ إِلَيْهِمَا طَنْكَرِي، صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، بِعَسَاكِرِهِ لِيُحَارِبَهُمَا، قَبْلَ أَنْ يَقْوَى أَمْرُهُمَا، وَيَجْمَعَا عَسْكَرًا، وَيَلْحَقَ بِهِمَا جَاوْلِي وَيُنْجِدَهُمَا، فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الْقِتَالِ اجْتَمَعُوا وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَتَحَادَثُوا.
وَأَطْلَقَ الْقُمَّصَ مِنَ الْأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِائَةً وَسِتِّينَ أَسِيرًا كُلُّهُمْ مِنْ سَوَادِ حَلَبَ، وَكَسَاهُمْ وَسَيَّرَهُمْ.
وَعَادَ طَنْكَرِي إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلِ حَالٍ فِي مَعْنَى الرُّهَا، فَسَارَ الْقُمَّصُ وَجُوسْلِينُ وَأَغَارَا عَلَى حُصُونِ طَنْكَرِي صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، وَالْتَجَآ إِلَى وِلَايَةِ كَوَاسِيلَ، وَهُوَ رَجُلٌ أَرْمِنِيٌّ وَمَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ صَاحِبُ رَعْبَانَ، وَكَيْسُومَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْقِلَاعِ، شَمَالِيِّ حَلَبَ، فَأَنْجَدَ الْقُمَّصَ بِأَلْفِ فَارِسٍ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ، وَأَلْفَيْ رَاجِلٍ، فَقَصَدَهُمْ طَنْكَرِي، فَتَنَازَعُوا فِي أَمْرِ الرُّهَا، فَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute