الْبِطْرَكُ الَّذِي لَهُمْ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ كَالْإِمَامِ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ، لَا يُخَالَفُ أَمْرُهُ، وَشَهِدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَطَارِنَةِ وَالْقِسِّيسِينَ:
أَنَّ بَيْمُنْدَ خَالَ طَنْكَرِي قَالَ لَهُ، لَمَّا أَرَادَ رُكُوبَ الْبَحْرِ، وَالْعَوْدَ إِلَى بِلَادِهِ، لِيُعِيدَ الرُّهَا إِلَى الْقُمَّصِ، إِذَا خَلَصَ مِنَ الْأَسْرِ، فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ طَنْكَرِي تَاسِعَ صَفَرٍ، وَعَبَرَ الْقُمَّصُ الْفُرَاتَ، لِيُسَلِّمَ إِلَى أَصْحَابِ جَاوْلِي الْمَالَ، وَالْأَسْرَى، فَأَطْلَقَ فِي طَرِيقِهِ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْأَسْرَى مِنْ حَرَّانَ وَغَيْرِهَا.
وَكَانَ بِسَرُوجَ ثَلَاثُمِائَةِ مُسْلِمٍ ضَعْفَى، فَعَمَّرَ أَصْحَابُ جَاوْلِي مَسَاجِدَهُمْ، وَكَانَ رَئِيسُ سَرُوجَ مُسْلِمًا قَدِ ارْتَدَّ، فَسَمِعَهُ أَصْحَابُ جَاوْلِي يَقُولُ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا شَنِيعًا، فَضَرَبُوهُ، وَجَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفِرِنْجِ بِسَبَبِهِ نِزَاعٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْقُمُّصِ، فَقَالَ: هَذَا لَا يَصْلُحُ لَنَا وَلَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَهُ.
ذِكْرُ حَالِ جَاوْلِي بَعْدَ إِطْلَاقِ الْقُمَّصِ
لَمَّا أَطْلَقَ جَاوْلِي الْقُمَّصَ بِمَاكِسِينَ سَارَ إِلَى الرَّحْبَةِ، فَأَتَاهُ أَبُو النَّجْمِ بَدْرَانُ، وَأَبُو كَامِلٍ مَنْصُورٌ، ابْنَا سَيْفِ الدَّوْلَةِ صَدَقَةَ، وَكَانَا، بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِمَا بِقَلْعَةِ جَعْبَرَ، عِنْدَ سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى الْمُسَاعَدَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ، وَوَعَدَهُمَا أَنَّهُ يَسِيرُ مَعَهُمَا إِلَى الْحِلَّةِ، وَعَزَمُوا أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهِمْ بِكْتَاشَ بْنَ تَكْشَ بْنِ أَلْب أَرْسِلَانَ.
فَوَصَلَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ عَلَى هَذَا الْعَزْمِ، أَصْبَهْبَذُ صَبَاوَةَ، وَكَانَ قَدْ قَصَدَ السُّلْطَانَ فَأَقْطَعَهُ الرَّحْبَةَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَاجْتَمَعَ بِجَاوْلِي، وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ الشَّامَ، فَإِنَّ بِلَادَهُ خَالِيَةٌ مِنَ الْأَجْنَادِ، وَالْفِرِنْجُ قَدِ اسْتَوْلَوْا عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا، وَعَرَّفَهُ أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ الْعِرَاقَ، وَالسُّلْطَانُ بِهَا، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، لَمْ يَأْمَنْ شَرًّا يَصِلُ إِلَيْهِ.
فَقَبِلَ قَوْلَهُ، وَأَصْعَدَ عَنِ الرَّحْبَةِ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ رُسُلُ سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ، صَاحِبِ قَلْعَةِ جَعْبَرَ، يَسْتَغِيثُ بِهِ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ، وَكَانَتِ الرَّقَّةُ بِيَدِ وَلَدِهِ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، فَوَثَبَ جَوْشَنُ النُّمَيْرِيُّ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ، فَقَتَلَ عَلِيًّا وَمَلَكَ الرَّقَّةَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ رِضْوَانَ، فَسَارَ مِنْ حَلَبَ إِلَى صِفِّينَ، فَصَادَفَ تِسْعِينَ رَجُلًا مِنَ الْفِرِنْجِ مَعَهُمْ مَالٌ مِنْ فِدْيَةِ الْقُمَّصِ، صَاحِبِ الرُّهَا، قَدْ سَيَّرَهُ إِلَى جَاوْلِي، فَأَخَذَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute