للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَسَرَ عَدَدًا مِنْهُمْ، وَأَتَى الرَّقَّةَ، فَصَالَحَهُ بَنُو نُمَيْرٍ عَلَى مَالٍ، فَرَحَلَ عَنْهُمْ إِلَى حَلَبَ فَاسْتَنْجَدَ سَالِمُ بْنُ مَالِكٍ جَاوْلِي، وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْحَلَ إِلَى الرَّقَّةِ وَيَأْخُذَهَا، وَوَعَدَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.

فَقَصْدَ الرَّقَّةَ، وَحَصَرَهَا سَبْعِينَ يَوْمًا، فَضَمِنَ لَهُ بَنُو نُمَيْرٍ مَالًا وَخَيْلًا، فَأَرْسَلَ إِلَى سَالِمٍ: إِنَّنِي فِي أَمْرٍ أَهَمَّ مِنْ هَذَا، وَأَنَا بِإِزَاءِ عَدُوٍّ، وَيَجِبُ التَّشَاغُلُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَا عَازِمٌ عَلَى الِانْحِدَارِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَإِنْ تَمَّ أَمْرِي فَالرَّقَّةُ وَغَيْرُهَا لَكَ، وَلَا أَشْتَغِلُ عَنْ هَذَا الْمُهِمِّ بِحِصَارِ خَمْسَةِ نَفَرٍ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ.

وَوَصَلَ إِلَى جَاوْلِي الْأَمِيرُ حُسَيْنُ بْنُ أَتَابِكَ قَتْلُغْ تِكِينَ، وَكَانَ أَبُوهُ أَتَابِكَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، فَقَتَلَهُ، وَتَقَدَّمَ وَلَدُهُ هَذَا عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَاخْتُصَّ بِهِ، فَسَيَّرَهُ السُّلْطَانُ مَعَ فَخْرِ الْمُلْكِ بْنِ عَمَّارٍ لِيُصْلِحَ الْحَالَ مَعَ جَاوْلِي، وَيَأْمُرَ الْعَسَاكِرَ بِالْمَسِيرِ مَعَ ابْنِ عَمَّارٍ إِلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ، فَحَضَرَ عِنْدَ جَاوْلِي، وَأَمَرَ بِتَسْلِيمِ الْبِلَادِ وَطَيَّبَ قَلْبَهُ عَنِ السُّلْطَانِ، وَضَمِنَ الْجَمِيلَ، إِذَا سَلَّمَ الْبِلَادَ، وَأَظْهَرَ الطَّاعَةَ وَالْعُبُودِيَّةَ، فَقَالَ جَاوْلِي: أَنَا مَمْلُوكُ السُّلْطَانِ، وَفِي طَاعَتِهِ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مَالًا وَثِيَابًا لَهَا مِقْدَارٌ جَلِيلٌ، وَقَالَ لَهُ: سِرْ إِلَى الْمَوْصِلِ وَرَحِّلِ الْعَسْكَرَ عَنْهَا، فَإِنِّي أُرْسِلُ مَعَكَ مَنْ يُسَلِّمُ وَلَدِي إِلَيْكَ رَهِينَةً، وَيُنْفِذُ السُّلْطَانُ إِلَيْهَا مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهَا وَجِبَايَةَ أَمْوَالِهَا، فَفَعَلَ حُسَيْنٌ ذَلِكَ، وَسَارَ وَمَعَهُ صَاحِبُ جَاوْلِي، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى الْعَسْكَرِ الَّذِي عَلَى الْمَوْصِلِ، وَكَانُوا لَمْ يَفْتَحُوهَا بَعْدُ، أَمَرَهُمْ حُسَيْنٌ بِالرَّحِيلِ، فَكُلُّهُمْ أَجَابَ، إِلَّا الْأَمِيرُ مَوْدُودٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَرْحَلُ إِلَّا بِأَمْرِ السُّلْطَانِ، وَقَبَضَ عَلَى صَاحِبِ جَاوْلِي، وَأَقَامَ عَلَى الْمَوْصِلِ، حَتَّى فَتَحَهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَعَادَ حُسَيْنُ بْنُ قَتْلُغْ تِكِينَ إِلَى السُّلْطَانِ، فَأَحْسَنَ النِّيَابَةَ عَنْ جَاوْلِي عِنْدَهُ، وَسَارَ جَاوْلِي إِلَى مَدِينَةِ بَالِسَ، فَوَصَلَهَا ثَالِثَ عَشَرَ صَفَرٍ، فَاحْتَمَى أَهْلُهَا مِنْهُ، وَهَرَبَ مَنْ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ وَصَاحِبِ حَلْبَ، فَحَصَرَهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَمَلَكَهَا بَعْدَ أَنْ نَقَبَ بُرْجًا مَنْ أَبْرَاجِهَا، فَوَقَعَ عَلَى النَّقَّابِينَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً وَمَلَكَ الْبَلَدَ، وَصَلَبَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِهِ عِنْدَ النَّقْبِ، وَأَحْضَرَ الْقَاضِيَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ إِلْيَاسَ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ صَالِحًا، وَنَهَبَ الْبَلَدَ وَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا كَثِيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>