ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ جَاوْلِي وَالْفِرِنْجِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي صَفَرٍ، كَانَ الْمُصَافُّ بَيْنَ جَاوْلِي سَقَّاوُو وَبَيْنَ طَنْكَرِي الْفِرِنْجِيِّ، صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَلِكَ رِضْوَانَ كَتَبَ إِلَى طَنْكَرِي، صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، يُعَرِّفُهُ مَا هُوَ جَاوْلِي عَلَيْهِ مِنَ الْغَدْرِ، وَالْمَكْرِ، وَالْخِدَاعِ، وَيُحَذِّرُهُ مِنْهُ، وَيُعْلِمُهُ أَنَّهُ عَلَى قَصْدِ حَلَبَ، وَأَنَّهُ إِنْ مَلَكَهَا لَا يَبْقَى لِلْفِرِنْجِ مَعَهُ بِالشَّامِ مُقَامٌ، وَطَلَبَ مِنْهُ النُّصْرَةَ وَالِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِهِ.
فَأَجَابَهُ طَنْكَرِي إِلَى مَنْعِهِ وَبَرَزَ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رِضْوَانُ سِتَّمِائَةِ فَارِسٍ، فَلَمَّا سَمِعَ جَاوْلِي الْخَبَرَ أَرْسَلَ إِلَى الْقُمَّصِ، صَاحِبِ الرُّهَا، يَسْتَدْعِيهِ إِلَى مُسَاعَدَتِهِ، وَأَطْلَقَ لَهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُفَادَاةِ، فَسَارَ إِلَى جَاوْلِي فَلِحَقَ بِهِ، وَهُوَ عَلَى مَنْبِجَ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، بِأَنَّ الْمَوْصِلَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا السُّلْطَانُ، وَمَلَكُوا خَزَائِنَهُ وَأَمْوَالَهُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَفَارَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ أَتَابِكُ زِنْكِيُّ بْنُ آقْسُنْقُرَ، وَبِكْتَاشُ النَّهَاوَنْدِيُّ، وَبَقِيَ جَاوْلِي فِي أَلْفِ فَارِسٍ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ خَلْقٌ مِنَ الْمُطَّوِّعَةِ، فَنَزَلَ بِتَلِّ بَاشِرَ.
وَقَارِبَهُمْ طَنْكَرِي، وَهُوَ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَسِتِّمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ، سِوَى الرَّجَّالَةِ، فَجَعَلَ جَاوْلِي فِي مَيْمَنَتِهِ الْأَمِيرَ أَقْسَيَانَ، وَالْأَمِيرَ أَلْتُونْتَاشَ الْأَبَرِّيَّ، وَغَيْرَهُمَا، وَفِي الْمَيْسَرَةِ الْأَمِيرَ بَدْرَانَ بْنَ صَدَقَةَ، وَأَصْبَهْبَذَ صَبَاوَةَ، وَسُنْقُرَ دِرَازَ، وَفِي الْقَلْبِ الْقُمَّصَ بَغْدُوِينَ، وَجُوسْلِينَ الْفِرِنْجِيِّينَ، وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ، فَحَمَلَ أَصْحَابُ أَنْطَاكِيَةَ عَلَى الْقُمَّصِ، صَاحِبِ الرُّهَا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَأَزَاحَ طَنْكَرِي الْقَلْبَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَحَمَلَتْ مَيْسَرَةُ جَاوْلِي عَلَى رَجَّالَةِ صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، فَقَتَلَتْ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ هَزِيمَةِ صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، فَحِينَئِذٍ عَمَدَ أَصْحَابُ جَاوْلِي إِلَى جَنَائِبِ الْقُمَّصِ، وَجُوسْلِينَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْفِرِنْجِ، فَرَكِبُوهَا وَانْهَزَمُوا، فَمَضَى جَاوْلِي وَرَاءَهُمْ لِيَرُدَّهُمْ، فَلَمْ يَرْجِعُوا، وَكَانَتْ طَاعَتُهُ قَدْ زَالَتْ عَنْهُمْ حِينَ أُخِذَتِ الْمَوْصِلُ مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُمْ لَا يَعُودُونَ مَعَهُ أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ، وَخَافَ مِنَ الْمُقَامِ، فَانْهَزَمَ، وَانْهَزَمَ بَاقِي عَسْكَرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute