وَبَلَغَ حُذَيْفَةَ أَنَّ الرَّبِيعَ وَقَيْسًا اتَّفَقَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاسْتَعَدَّ لِلْبَلَاءِ، وَقِيلَ: إِنَّ بِلَادَ عَبْسٍ كَانَتْ قَدْ أَجْدَبَتْ فَانْتَجَعَ أَهْلُهَا بِلَادَ فَزَارَةَ، وَأَخَذَ الرَّبِيعُ جِوَارًا مِنْ حُذَيْفَةَ وَأَقَامَ عِنْدَهُمْ. فَلَمَّا بَلَغَهُ مَقْتَلُ مَالِكٍ قَالَ لِحُذَيْفَةَ: لِي ذِمَّتِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: ذَلِكَ لَكَ. فَانْتَقَلَ الرَّبِيعُ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ حَمَلَ بْنَ بَدْرٍ فَقَالَ لِحُذَيْفَةَ أَخِيهِ: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتَ قَتَلْتَ مَالِكًا وَخَلَّيْتَ سَبِيلَ الرَّبِيعِ! وَاللَّهِ لَيُضْرِمُنَّهَا عَلَيْكَ نَارًا! فَرَكِبَا فِي طَلَبِ الرَّبِيعِ، فَفَاتَهُمَا، فَعَلِمَا أَنَّهُ قَدْ أَضْمَرَ الشَّرَّ.
وَاتَّفَقَ الرَّبِيعُ وَقَيْسٌ، وَجَمَعَ حُذَيْفَةُ قَوْمَهُ وَتَعَاقَدُوا عَلَى عَبْسٍ، وَجَمَعَ الرَّبِيعُ وَقَيْسٌ قَوْمَهُمَا وَاسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ، فَأَغَارَتْ فَزَارَةُ عَلَى بَنِي عَبْسٍ فَأَصَابُوا نَعَمًا وَرِجَالًا، فَحَمِيَتْ عَبْسٌ وَاجْتَمَعَتْ لِلْغَارَةِ، فَنُذِرَتْ بِهِمْ فَزَارَةُ. فَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ فَالْتَقَوْا عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ الْعَذْقُ، وَهِيَ أَوَّلُ وَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَقُتِلَ عَوْفُ بْنُ يَزِيدَ، قَتَلَهُ جُنْدُبُ بْنُ خَلَفٍ الْعَبْسِيُّ. وَانْهَزَمَتْ فَزَارَةُ وَقُتِّلُوا قَتْلًا ذَرِيعًا، وَأَسَرَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ حُذَيْفَةَ بْنَ بَدْرٍ، وَكَانَ حُرُّ بْنُ الْحَارِثِ الْعَبْسِيُّ قَدْ نَذَرَ إِنْ قَدَرَ عَلَى حُذَيْفَةَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ، وَلَهُ سَيْفٌ قَاطِعٌ يُسَمَّى الْأَصْرَمَ، فَأَرَادَ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ لَمَّا أُسِرَ وَفَاءً بِنَذْرِهِ، فَأَرْسَلَ الرَّبِيعُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَغَيَّبَتْ سَيْفَهُ وَنَهَوْهُ عَنْ قَتْلِهِ وَحَذَّرُوهُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ، فَأَبَى إِلَّا ضَرْبَهُ، فَوَضَعُوا عَلَيْهِ الرِّجَالَ، فَضَرَبَهُ، فَلَمْ يَصْنَعِ السَّيْفُ شَيْئًا وَبَقِيَ حُذَيْفَةُ أَسِيرًا.
فَاجْتَمَعَتْ غَطَفَانُ وَسَعَوْا فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُهْدِرُوا دَمَ بَدْرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بِدَمِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَيَعْقِلُوا عَوْفَ بْنَ بَدْرٍ، وَيُعْطُوا حُذَيْفَةَ عَنْ ضَرْبَتِهِ الَّتِي ضَرَبَهُ حُرٌّ مِائَتَيْنِ مِنَ الْإِبِلِ، وَأَنْ يَجْعَلُوهَا عُشَارًا كُلَّهَا، وَأَرْبَعَةَ أَعْبُدٍ، وَأَهْدَرَ حُذَيْفَةُ دِمَاءَ مَنْ قُتِلَ مِنْ فَزَارَةَ فِي الْوَقْعَةِ وَأُطْلِقَ مِنَ الْأَسْرِ.
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَسَاءَتْ مَقَالَتُهُ فِي بَنِي عَبْسٍ، وَرَكِبَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادٍ فَمَضَيَا إِلَى حُذَيْفَةَ وَتَحَدَّثَا مَعَهُ. فَأَجَابَهُمَا إِلَى الِاتِّفَاقِ وَأَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمَا الْإِبِلَ الَّتِي أَخَذَ مِنْهُمَا، وَكَانَتْ تَوَالَدَتْ عِنْدَهُ. فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ سِنَانُ بْنُ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيُّ فَقَبَّحَ رَأْيَ حُذَيْفَةَ فِي الصُّلْحِ وَقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute