وَلَمَّا بَلَغَ طُغْتِكِينَ الْخَبَرُ عَادَ إِلَى حِمْصَ، وَأَرْسَلَ فِي إِطْلَاقِهِ، فَامْتَنَعَ قُرْجَانُ، وَحَلَفَ: إِنْ لَمْ يَعُدْ طُغْتِكِينُ لَنَقْتُلَنَّ إِيلْغَازِي، فَأَرْسَلَ إِلَى طُغْتِكِينَ: إِنَّ الْمُلَاجَّةَ تُؤْذِينِي، وَتَسْفِكُ دَمِي، وَالْمَصْلَحَةُ عَوْدُكَ إِلَى دِمَشْقَ، فَعَادَ.
وَانْتَظَرَ قُرْجَانُ وُصُولَ الْعَسَاكِرِ السُّلْطَانِيَّةِ، فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ، فَخَافَ أَنْ يَنْخَدِعَ أَصْحَابُهُ لِطُغْتِكِينَ، وَيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ حِمْصَ، فَعَدَلَ إِلَى الصُّلْحِ مَعَ إِيلْغَازِي عَلَى أَنْ يُطْلِقَهُ، وَيَأْخُذَ ابْنَهُ إِيَّازَ رَهِينَةً، وَيُصَاهِرَهُ، وَيَمْنَعَهُ مِنْ طُغْتِكِينَ وَغَيْرِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَطْلَقَهُ، وَتَحَالَفَا، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ ابْنَهُ إِيَّازَ، وَسَارَ عَنْ حِمْصَ إِلَى حَلَبَ، وَجَمَعَ التُّرْكُمَانَ، وَعَادَ إِلَى حِمْصَ، وَطَالَبَ بِوَلَدِهِ إِيَّازَ، وَحَصَرَ قُرْجَانَ إِلَى أَنْ وَصَلَتِ الْعَسَاكِرُ السُّلْطَانِيَّةُ، فَعَادَ إِيلْغَازِي عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ وَفَاةِ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ وَمُلْكِ ابْنِهِ وَمَا كَانَ مِنْهُ مَعَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي شَوَّالٍ، تُوُفِّيَ الْمَلِكُ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ أَبُو سَعْدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَبِي الْمُظَفَّرِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي سَعْدٍ مَسْعُودِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتُكِينَ، صَاحِبُ غَزْنَةَ، بِهَا، وَمَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَرْسِلَانْشَاهْ، وَأُمُّهُ سَلْجُوقِيَّةٌ، وَهِيَ أُخْتُ السُّلْطَانِ أَلْب أَرْسِلَانَ بْنِ دَاوُدَ، فَقَبَضَ عَلَى إِخْوَانِهِ وَسَجَنَهُمْ، وَهَرَبَ أَخٌ لَهُ اسْمُهُ بَهْرَامُ إِلَى خُرَاسَانَ، فَوَصَلَ إِلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ بْنِ مُلْكِشَاهْ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَرْسِلَانَشَاهْ فِي مَعْنَاهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَلَا أَصْغَى إِلَى قَوْلِهِ، فَتَجَهَّزَ سَنْجَرُ لِلْمَسِيرِ إِلَى غَزْنَةَ، وَإِقَامَةِ بَهْرَامْشَاهْ فِي الْمُلْكِ.
فَأَرْسَلَ أَرْسِلَانْشَاهْ إِلَى السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ يَشْكُو مِنْ أَخِيهِ سَنْجَرَ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى أَخِيهِ سَنْجَرَ يَأْمُرُهُ بِمُصَالَحَةِ أَرْسِلَانْشَاهْ، وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ:
إِنْ رَأَيْتَ أَخِي وَقَدْ قَصَدَهُمْ، وَسَارَ نَحْوَهُمْ، أَوْ قَارَبَ أَنْ يَسِيرَ، فَلَا تَمْنَعْهُ، وَلَا تُبْلِغْهُ الرِّسَالَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَفُتُّ فِي عَضُدِهِ وَيُوهِنُهُ، وَلَا يَعُودُ، وَلَأَنْ يَمْلِكَ أَخِي الدُّنْيَا أَحَبُّ إِلَيَّ. فَوَصَلَ الرَّسُولُ إِلَى سَنْجَرَ، وَقَدْ جَهَّزَ الْعَسَاكِرَ إِلَى غَزْنَةَ، وَجَعَلَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ الْأَمِيرَ أُنَرَ، مُتَقَدِّمَ عَسْكَرِهِ، وَمَعَهُ الْمَلِكَ بَهْرَامْشَاهْ، فَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا بُسْتَ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ فِيهَا أَبُو الْفَضْلِ نَصْرُ بْنُ خَلَفٍ، صَاحِبُ سِجِسْتَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute