ذِكْرُ طَاعَةِ صَاحِبِ مَرْعَشَ وَغَيْرِهَا الْبُرْسُقِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ بَعْضُ جُنُودِ الْفِرِنْجِ، وَيُعْرَفُ بِكَوَاسِيلَ، وَهُوَ صَاحِبُ مَرْعَشَ، وَكَيْسُومَ، وَرَعْبَانَ وَغَيْرِهَا، فَاسْتَوْلَتْ زَوْجَتُهُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ، وَتَحَصَّنَتْ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَأَحْسَنَتْ إِلَى الْأَجْنَادِ، وَرَاسَلَتْ آقْسُنْقُرَ الْبُرْسُقِيَّ، وَهُوَ عَلَى الرُّهَا، وَاسْتَدْعَتْ مِنْهُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ لِتُطِيعَهُ، فَسَيَّرَ إِلَيْهَا الْأَمِيرَ سُنْقُرَ دَزْدَارَ، صَاحِبَ الْخَابُورِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا أَكْرَمَتْهُ، وَحَمَلَتْ إِلَيْهِ مَالًا كَثِيرًا.
وَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جَمْعٌ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَوَاقَعُوا أَصْحَابَهُ، وَهُمْ نَحْوُ مِائَةِ فَارِسٍ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ظَفِرَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْفِرِنْجِ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ أَكْثَرَهُمْ وَعَادَ سُنْقُرُ دَزْدَارَ، وَقَدْ أَصْحَبَتْهُ الْهَدَايَا لِلْمَلِكِ مَسْعُودٍ وَالْبُرْسُقِيِّ، وَأَذْعَنَتْ بِالطَّاعَةِ، وَلَمَّا عَرَفَ الْفِرِنْجُ ذَلِكَ عَادَ كَثِيرٌ مِمَّنْ عِنْدَهَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الْبُرْسُقِيِّ، وَإِيلْغَازِي وَأَسْرِ إِيلْغَازِي
لَمَّا قَبَضَ الْبُرْسُقِيُّ عَلَى إِيَّازَ بْنِ إِيلْغَازِي سَارَ إِلَى حِصْنِ كِيفَا، وَصَاحِبُهَا الْأَمِيرُ رُكْنُ الدَّوْلَةِ دَاوُدُ ابْنُ أَخِيهِ سُقْمَانَ، فَاسْتَنْجَدَهُ، فَسَارَ مَعَهُ فِي عَسْكَرِهِ وَأَحْضَرَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ التُّرْكُمَانِ، وَسَارَا إِلَى الْبُرْسُقِيِّ، فَلَقِيَهُ، أَوَاخِرَ السَّنَةِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا صَبَرُوا فِيهِ، فَانْهَزَمَ الْبُرْسُقِيُّ وَعَسْكَرُهُ، وَخُلِّصَ إِيَّازُ بْنُ إِيلْغَازِي مِنَ الْأُسَرِ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ يَتَهَدَّدُهُ، فَخَافَهُ، وَسَارَ إِلَى الشَّامِ إِلَى حَمِيِّهِ طُغْتِكِينَ، صَاحِبِ دِمَشْقَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ أَيَّامًا.
وَكَانَ طُغْتِكِينُ أَيْضًا قَدِ اسْتَوْحَشَ مِنَ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ نَسَبَ إِلَيْهِ قَتْلَ مَوْدُودٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى الْفِرِنْجِ، وَالِاحْتِمَاءِ بِهِمْ، فَرَاسَلَا صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ، وَحَالَفَاهُ، فَحَضَرَ عِنْدَهُمَا عَلَى بُحَيْرَةِ قَدَسَ، عِنْدَ حِمْصَ، وَجَدَّدُوا الْعُهُودَ، وَعَادَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، وَعَادَ طُغْتِكِينُ إِلَى دِمَشْقَ وَسَارَ إِيلْغَازِي إِلَى الرَّسْتَنِ عَلَى عَزْمِ قَصْدِ دِيَارِ بَكْرٍ، وَجَمْعِ التُّرْكُمَانِ وَالْعَوْدِ، فَنَزَلَ بِالرَّسْتَنِ لِيَسْتَرِيحَ، فَقَصَدَهُ الْأَمِيرُ قُرْجَانُ بْنُ قُرَاجَةَ صَاحِبُ حِمْصَ، وَقَدْ تَفَرَّقَ عَنْ إِيلْغَازِي أَصْحَابُهُ، فَظَفَرَ بِهِ قُرْجَانُ وَأَسَرَهُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَأَرْسَلَ إِلَى السُّلْطَانِ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَيَسْأَلُهُ تَعْجِيلَ إِنْفَاذِ الْعَسَاكِرِ لِئَلَّا يَغْلِبَهُ طُغْتِكِينُ عَلَى إِيلْغَازِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute