وَسَمِعَ أَرْسِلَانْشَاهُ الْخَبَرَ، فَسَيَّرَ جَيْشًا كَثِيفًا، فَهَزَمَاهُ، وَنَهَبَاهُ وَعَادَ مَنْ سَلِمَ إِلَى غَزْنَةَ عَلَى أَسْوَأِ حَالٍ فَخَضَعَ حِينَئِذٍ أَرْسِلَانْشَاهْ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَمِيرِ أُنَرَ يَضْمَنُ لَهُ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ لِيَعُودَ عَنْهُ، وَيُحَسِّنُ لِلْمَلِكِ سَنْجَرَ الْعَوْدَةَ عَنْهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَتَجَهَّزَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ، بَعْدَ أُنَرَ، لِلْمَسِيرِ بِنَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَرْسِلَانْشَاهُ امْرَأَةَ عَمِّهِ نَصْرٍ تَسْأَلُهُ الصَّفْحَ وَالْعَوْدَ عَنْ قَصْدِهِ، وَهِيَ أُخْتُ الْمَلِكِ سَنْجَرَ مِنَ السُّلْطَانِ بُرْكِيارُقَ، وَكَانَ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ أَبُو سَعْدٍ قَدْ قَتَلَ زَوْجَهَا، وَمَنَعَهَا مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ غَزْنَةَ وَتَزَوَّجَهَا، فَسَيَّرَهَا الْآنَ أَرْسِلَانْشَاهْ، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى أَخِيهِ أَوْصَلَتْ مَا مَعَهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْهَدَايَا، وَكَانَ مَعَهَا مِائَتَا أَلْفِ دِينَارٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَطَلَبَ مِنْ سَنْجَرَ أَنْ يُسَلِّمَ أَخَاهُ بَهْرَامَ إِلَيْهِ.
وَكَانَتْ مُوغَرَةَ الصَّدْرِ مِنْ أَرْسِلَانْشَاهْ، فَهَوَّنَتْ أَمْرَهُ عَلَى سَنْجَرَ، وَأَطْمَعَتْهُ فِي الْبِلَادِ، وَسَهَّلَتِ الْأَمْرَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَتْ لَهُ مَا فَعَلَ بِإِخْوَانِهِ، وَكَانَ قَتَلَ بَعْضًا وَكَحَلَ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ مِنْهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ. فَسَارَ الْمَلِكُ سَنْجَرُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بُسْتَ أَرْسَلَ خَادِمًا مِنْ خَوَاصِّهِ إِلَى أَرْسِلَانْشَاهْ فِي رِسَالَةٍ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ، فَسَارَ حِينَئِذٍ سَنْجَرُ مُجِدًّا، فَلَمَّا سَمِعَ مِنْهُ أَطْلَقَ الرَّسُولَ، وَوَصَلَ سَنْجَرُ إِلَى غَزْنَةَ، وَوَقَعَ بَيْنَهُمَا الْمَصَافُّ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ غَزْنَةَ، بِصَحْرَاءَ شَهْرَابَاذَ، وَكَانَ أَرْسِلَانْشَاهْ فِي ثَلَاثِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الرَّجَّالَةِ، وَمَعَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فِيلًا، عَلَى كُلِّ فِيلٍ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ، فَحَمَلَتِ الْفِيَلَةُ عَلَى الْقَلْبِ، وَفِيهِ سَنْجَرُ، فَكَانَ مَنْ فِيهِ يَنْهَزِمُونَ، فَقَالَ سَنْجَرُ لِغِلْمَانِهِ الْأَتْرَاكِ لِيَرْمُوهَا بِالنُّشَّابِ، فَتَقَدَّمَ ثَلَاثَةُ آلَافِ غُلَامٍ، فَرَمَوُا الْفِيَلَةَ رَشْقًا وَاحِدًا جَمِيعًا، فَقَتَلُوا مِنْهَا عِدَّةً، فَعَدَلَتِ الْفِيَلَةُ عَنِ الْقَلْبِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ، وَبِهَا أَبُو الْفَضْلِ صَاحِبُ سِجِسْتَانَ، وَجَالَتْ عَلَيْهِمْ، فَضَعُفَ مَنْ فِي الْمَيْسَرَةِ، فَشَجَّعَهُمْ أَبُو الْفَضْلِ، وَخَوَّفَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ مَعَ دِيَارِهِمْ، وَتَرَجَّلَ عَنْ فَرَسِهِ بِنَفْسِهِ، وَقَصَدَ كَبِيرَ الْفِيَلَةِ، وَمُتَقَدَّمُهَا، وَدَخَلَ تَحْتَهَا فَشَقَّ بَطْنَهَا، وَقَتَلَ فِيلَيْنِ آخَرَيْنِ.
وَرَأَى الْأَمِيرُ أُنَرُ، وَهُوَ فِي الْمَيْمَنَةِ، مَا فِي الْمَيْسَرَةِ مِنَ الْحَرْبِ، فَخَافَ عَلَيْهَا، فَحَمَلَ مِنْ وَرَاءِ عَسْكَرِ غَزْنَةَ، وَقَصَدَ الْمَيْسَرَةَ وَاخْتَلَطَ بِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْغَزْنَوِيَّةِ، وَكَانَ رُكَّابُ الْفِيَلَةِ قَدْ شَدُّوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهَا بِالسَّلَاسِلِ، فَلَمَّا عَضَّتْهُمُ الْحَرْبُ، وَعَمِلَ فِيهِمُ السَّيْفُ، أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ، فَبَقُوا مُعَلَّقِينَ عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute