وَدَخَلَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ غَزْنَةَ فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَمَعَهُ بُهْرَامْشَاهْ. فَأَمَّا الْقَلْعَةُ الْكَبِيرَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَلَدِ تِسْعَةُ فَرَاسِخَ، وَهِيَ عَظِيمَةٌ، فَلَا مَطْمَعَ فِيهَا، وَلَا طَرِيقَ عَلَيْهَا.
وَكَانَ أَرْسِلَانْشَاهْ قَدْ سَجَنَ فِيهَا أَخَاهُ طَاهِرًا الْخَازِنَ، وَهُوَ صَاحِبُ بُهْرَامْشَاهْ، وَاعْتَقَلَ بِهَا أَيْضًا زَوْجَةَ بُهْرَامْشَاهْ، فَلَمَّا انْهَزَمَ أَرْسِلَانْشَاهِ اسْتَمَالَ أَخُوهُ طَاهِرٌ الْمُسْتَحْفِظَ بِهَا، فَبَذَلَ لَهُ وَلِلْأَجْنَادِ الزِّيَادَاتِ، فَسَلَّمُوا الْقَلْعَةَ إِلَى الْمَلِكِ سَنْجَرَ.
وَأَمَّا قَلْعَةُ الْبَلَدِ فَإِنَّ أَرْسِلَانْشَاهْ كَانَ اعْتَقَلَ بِهَا رَسُولَ سَنْجَرَ، فَلَمَّا أَطْلَقَهُ بَقِيَ غِلْمَانُهُ بِهَا، فَسَلَّمُوا الْقَلْعَةَ أَيْضًا بِغَيْرِ قِتَالٍ.
وَكَانَ قَدْ تَقَرَّرَ بَيْنَ بُهْرَامْشَاهْ وَبَيْنَ سَنْجَرَ أَنْ يَجْلِسَ بُهْرَامُ عَلَى سَرِيرِ جَدِّهِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتُكِينَ وَحْدَهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ بَغَزْنَةَ لِلْخَلِيفَةِ، السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَلِلْمَلِكِ سَنْجَرَ، وَبَعْدَهُمْ لِبُهْرَامْشَاهْ. فَلَمَّا دَخَلُوا غَزْنَةَ كَانَ سَنْجَرُ رَاكِبًا، وَبُهْرَامْشَاهْ بَيْنَ يَدَيْهِ رَاجِلًا، حَتَّى جَاءَ السَّرِيرُ، فَصَعِدَ بُهْرَامْشَاهْ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ سَنْجَرُ، وَكَانَ يَخْطُبُ لَهُ بِالْمُلْكِ، وَلِبُهْرَامْشَاهْ بِالسُّلْطَانِ عَلَى عَادَةِ آبَائِهِ، فَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يُسْمَعُ بِهِ.
وَحَصَلَ لِأَصْحَابِ سَنْجَرَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُحْصَى مِنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعَايَا، وَكَانَ فِي دُورٍ لِمُلُوكِهَا عِدَّةُ دُورٍ عَلَى حِيطَانِهَا أَلْوَاحُ الْفِضَّةِ، وَسَوَاقِي الْمِيَاهِ إِلَى الْبَسَاتِينِ مِنَ الْفِضَّةِ أَيْضًا، فَقُلِعَ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُهُ، وَنُهِبَ، فَلَمَّا سَمِعَ سَنْجَرُ مَا يَفْعَلُ مَنَعَ عَنْهُ بِجَهْدِهِ، وَصَلَبَ جَمَاعَةً حَتَّى كَفَّ النَّاسُ.
وَفِي جُمْلَةِ مَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ سَنْجَرَ خَمْسَةُ تِيجَانَ قَيِّمَةٍ أَحَدُهَا تَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةِ قِطْعَةٍ مُصَاغَةٍ مُرَصَّعَةٍ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ سَرِيرًا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
وَأَقَامَ بِغَزْنَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى اسْتَقَرَّ بُهْرَامْشَاهْ، وَعَادَ نَحْوَ خُرَاسَانَ، لَمْ يُخْطَبْ بِغَزْنَةَ لِسَلْجُوقِيٍّ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، حَتَّى إِنَّ السُّلْطَانَ مُلْكِشَاهْ مَعَ تَمَكُّنِهِ وَكَثْرَةِ مُلْكِهِ لَمْ يَطْمَعْ فِيهِ، وَكَانَ كُلَّمَا رَامَ ذَلِكَ مَنَعَ مِنْهُ نِظَامَ الْمُلْكِ.
وَأَمَّا أَرْسِلَانْشَاهْ فَإِنَّهُ لَمَّا انْهَزَمَ قَصَدَ هِنْدُوسَتَانَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَقَوِيَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute