أَنَّهُ لَمْ يَتَوَسَّطْ بِلَادَ الْأَمِيرِ بَلْدَجِي، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مَمَالِيكِ السُّلْطَانِ مُلْكِشَاهْ، وَمِنْ جُمْلَةِ بِلَادِهِ كَلِيلُ وَسِرْمَاهُ، وَكَانَ مُتَمَكِّنًا بِتِلْكَ الْبِلَادِ.
وَرَاسَلَهُ جَاوْلِي لِيَحْضُرَ خِدْمَةَ جَغْرِي، وَلَدِ السُّلْطَانِ، وَعَلَّمَ جَغْرِي أَنْ يَقُولَ بِالْفَارِسِيَّةِ خُذُوهُ، فَلَمَّا دَخَلَ بَلْدَجِي قَالَ جَغْرِي، عَلَى عَادَتِهِ: خُذُوهُ، فَأَخَذَهُ وَقُتِلَ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُ.
وَكَانَ لِبَلْدَجِي، مِنْ جُمْلَةِ حُصُونِهِ، قَلْعَةُ إِصْطَخْرَ، وَهِيَ مِنْ أَمْنَعِ الْقِلَاعِ وَأَحْصَنِهَا، وَكَانَ بِهَا أَهْلُهُ وَذَخَائِرُهُ، وَقَدِ اسْتَنَابَ فِي حِفْظِهَا وَزِيرًا لَهُ يُعْرَفُ بِالْجُهْرُمِيُّ، فَعَصَى عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَهْلَهُ وَبَعْضَ الْمَالِ، وَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِ الْجُهْرُمِيِّ حَتَّى وَصَلَ جَاوْلِي إِلَى فَارِسَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ، وَجَعَلَ فِيهَا أَمْوَالَهُ.
وَكَانَ بِفَارِسَ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الشُّوَانِكَارَةِ، وَهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يُحْصَوْنَ، وَمُقَدَّمُهُمُ الْحَسَنُ بْنُ الْمُبَارِزِ، الْمَعْرُوفُ بِخَسْرُو، وَلَهُ فَسَا وَغَيْرُهَا، فَرَاسَلَهُ جَاوْلِي لِيَحْضُرَ خِدْمَةَ جَغْرِي، فَأَجَابَ: إِنَّنِي عَبْدُ السُّلْطَانِ، وَفِي طَاعَتِهِ فَأَمَّا الْحُضُورُ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، لِأَنَّنِي قَدْ عَرَفْتُ عَادَتَكَ مَعَ بَلْدَجِي وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّنِي أَحْمِلُ إِلَى السُّلْطَانِ مَا يُؤْثِرُهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ جَاوْلِي جَوَابَهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُقَامَ لَهُ بِفَارِسَ مَعَهُ، فَأَظْهَرَ الْعَوْدَ إِلَى السُّلْطَانِ، وَحَمَلَ أَثْقَالَهُ عَلَى الدَّوَابِّ، وَسَارَ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ السُّلْطَانَ، وَرَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى خَسْرُو فَأَخْبَرَهُ، فَاغْتَرَّ وَقَعَدَ لِلشَّرَابِ، وَأَمِنَ.
وَأَمَّا جَاوْلِي فَإِنَّهُ عَادَ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَى خَسْرُو جَرِيدَةً فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَوَصَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَخْمُورٌ نَائِمٌ، فَكَبَسَهُ، فَأَنْبَهَهُ أَخُوهُ فَضَلُّوهُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ، فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ الْبَارِدَ، فَأَفَاقَ، وَرَكِبَ مِنْ وَقْتِهِ وَانْهَزَمَ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، وَنَهَبَ جَاوْلِي ثِقْلَهُ وَأَمْوَالَهُ، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِي أَصْحَابِهِ، وَنَجَا خَسْرُو إِلَى حِصْنِهِ، وَهُوَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا أُنْجُ.
وَسَارَ جَاوْلِي إِلَى مَدِينَةِ فَسَا فَتَسَلَّمَهَا، وَنَهَبَ كَثِيرًا مِنْ بِلَادِ فَارِسَ مِنْهَا جَهْرَمٌ، وَسَارَ إِلَى خَسْرُو وَحَصَرَهُ مُدَّةً، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَرَأَى مِنِ امْتِنَاعِ حِصْنِهِ وَقُوَّتِهِ، وَكَثْرَةِ ذَخَائِرِهِ مَا عَلِمَ مَعَهُ أَنَّ الْمُدَّةَ تَطُولُ عَلَيْهِ، فَصَالَحَهُ لِيَشْتَغِلَ بِبَاقِي بِلَادِ فَارِسَ، وَرَحَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute