عَنْهُ إِلَى شِيرَازَ، فَأَقَامَ بِهَا، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى كَازَرُونَ فَمَلَكَهَا، وَحَصَرَ أَبَا سَعْدٍ مُحَمَّدَ بْنَ مِمَّا فِي قَلْعَتِهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا سَنَتَيْنِ صَيْفًا وَشِتَاءً، فَرَاسَلَهُ جَاوْلِي فِي الصُّلْحِ، فَقَتَلَ الرَّسُولَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قَوْمًا مِنَ الصُّوفِيَّةِ، فَأَطْعَمَهُمُ الْهَرِيسَةَ وَالْقَطَائِفَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَخُيِّطَتْ أَدْبَارُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الشَّمْسِ فَهَلَكُوا، ثُمَّ نَفِدَ مَا عِنْدَ أَبِي سَعْدٍ، فَطَلَبَ الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُ، وَتَسَلَّمَ الْحِصْنَ.
ثُمَّ إِنَّ جَاوْلِي أَسَاءَ مُعَامَلَتَهُ، فَهَرَبَ، فَقَبَضَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَبَثَّ الرِّجَالَ فِي أَثَرِهِ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ زِنْجِيًّا يَحْمِلُ شَيْئًا، فَقَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: زَادِي فَفَتَّشَهُ، فَرَأَى دَجَاجًا، وَحَلْوَاءَ السُّكَّرِ، فَقَالَ: مَا هَذَا مِنْ طَعَامِكَ! فَضَرَبَهُ، فَأَقَرَّ عَلَى أَبِي سَعْدٍ، وَأَنَّهُ يَحْمِلُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَصَدُوهُ، وَهُوَ فِي شِعْبِ جَبَلٍ، فَأَخَذَهُ الْجُنْدِيُّ وَحَمَلَهُ إِلَى جَاوْلِي فَقَتَلَهُ.
وَسَارَ إِلَى دَارَابْجِرْدَ، وَصَاحِبُهَا اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ، فَهَرَبَ صَاحِبُهَا مِنْهُ إِلَى كَرْمَانَ خَوْفًا مِنْهُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ كَرِمَانَ صِهْرٌ، وَهُوَ أَرْسِلَانْشَاهْ بْنُ كِرْمَانْشَاهْ بْنِ أَرْسِلَانَ بِكْ بْنِ قَارُوتَ، فَقَالَ لَهُ: لَوْ تَعَاضَدْنَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْنَا جَاوْلِي، وَطَلَبَ مِنْهُ النَّجْدَةَ.
وَسَارَ جَاوْلِي بَعْدَ هَرَبِهِ مِنْهُ إِلَى حِصَارِ رَتِيلَ رِنَنَهْ، يَعْنِي مَضِيقَ رِنَنَهْ، وَهُوَ مَوْضِعٌ لَمْ يُؤْخَذْ قَهْرًا قَطُّ، لِأَنَّهُ وَادٍ نَحْوُ فَرْسَخَيْنِ، وَفِي صَدْرِهِ قَلْعَةٌ مَنِيعَةٌ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَأَهْلُ دَارَابْجِرْدَ يَتَحَصَّنُونَ بِهِ إِذَا خَافُوا، فَأَقَامُوا بِهِ، وَحَفِظُوا أَعْلَاهُ.
فَلَمَّا رَأَى جَاوْلِي حَصَانَتَهُ سَارَ يَطْلُبُ الْبَرِّيَّةَ نَحْوَ كَرْمَانَ، كَاتِمًا أَمْرَهُ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ طَرِيقِ كَرْمَانَ إِلَى دَارَابْجِرْدَ، مُظْهِرًا أَنَّهُ مِنْ عَسْكَرِ الْمَلِكِ أَرْسِلَانْشَاهْ، صَاحِبِ كَرْمَانَ، فَلَمْ يَشُكَّ أَهْلُ الْحِصْنِ أَنَّهُمْ مَدَدٌ لَهُمْ مَعَ صَاحِبِهِمْ، فَأَظْهَرُوا السُّرُورَ، وَأَذِنُوا لَهُ دُخُولَ الْمَضِيقِ، فَلَمَّا دَخَلَهُ وَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ هُنَاكَ، فَلَمْ يَنْجُ غَيْرُ الْقَلِيلِ، وَنَهَبَ أَمْوَالَ أَهْلِ دَارَابْجِرْدَ وَعَادَ إِلَى مَكَانِهِ، وَرَاسَلَ خَسْرُو يُعْلِمَهُ أَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى كَرْمَانَ، وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ مُوَافَقَتِهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ طَائِعًا، وَسَارَ مَعَهُ إِلَى كَرْمَانَ، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهَا الْقَاضِي أَبَا طَاهِرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ قَاضِيَ شِيرَازَ، يَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ الشُّوانْكَارَةِ لِأَنَّهُمْ رَعِيَّةُ السُّلْطَانِ، يَقُولُ: إِنَّهُ مَتَى أَعَادَهَمْ عَادَ عَنْ قَصْدِ بِلَادِهِ، وَإِلَّا قَصَدَهُ، فَأَعَادَ صَاحِبُ كَرْمَانَ جَوَابَ الرِّسَالَةِ يَتَضَمَّنُ الشَّفَاعَةَ فِيهِمْ، حَيْثُ اسْتَجَارُوا بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute