للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ إِلَى جَاوْلِي أَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَأَجْزَلَ لَهُ الْعَطَاءَ، وَأَفْسَدَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَجَعَلَهُ عَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، وَقَرَّرَ مَعَهُ إِعَادَةَ عَسْكَرِ كَرْمَانَ لِيَدْخُلَ الْبِلَادَ وَهُمْ غَارُّونَ، فَلَمَّا عَادَ الرَّسُولُ وَبَلَّغَ السِّيرَجَانَ، وَبِهَا عَسَاكِرُ صَاحِبِ كَرْمَانَ، وَوَزِيرُهُ مُقَدَّمُ الْجَيْشِ، أَعْلَمَ الْوَزِيرَ مَا عَلَيْهِ جَاوْلِي مِنَ الْمُقَارَبَةِ، وَأَنَّهُ يُفَارِقُ مَا كَرِهُوهُ، وَأَكْثَرَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَقَالَ: لَكِنَّهُ مُسْتَوْحِشٌ مِنِ اجْتِمَاعِ الْعَسَاكِرِ بِالسِّيرَجَانِ، وَإِنَّ أَعْدَاءَ جَاوْلِي طَمِعُوا فِيهِ بِهَذَا الْعَسْكَرِ، وَالرَّأْيُ أَنْ تُعَادَ الْعَسَاكِرُ إِلَى بِلَادِهَا.

فَعَادَ الْوَزِيرُ وَالْعَسَاكِرُ، وَخَلَتِ السِّيرَجَانُ، سَارَ جَاوْلِي فِي أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَزَلَ بِفَرَجَ، وَهِيَ الْحَدُّ بَيْنَ فَارِسَ وَكَرْمَانَ، فَحَاصَرَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مَلِكَ كَرْمَانَ أَحْضَرَ الرَّسُولَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ إِعَادَةَ الْعَسْكَرِ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ.

وَكَانَ مَعَ الرَّسُولِ فَرَّاشٌ لِجَاوْلِي لِيَعُودَ إِلَيْهِ بِالْأَخْبَارِ، فَارْتَابَ بِهِ الْوَزِيرُ فَعَاقَبَهُ، فَأَقَرَّ عَلَى الرَّسُولِ، فَصُلِبَ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُ، وَصُلِبَ الْفَرَّاشُ، وَنَدَبَ الْعَسَاكِرَ إِلَى الْمَسِيرِ إِلَى جَاوْلِي، فَسَارُوا فِي سِتَّةِ آلَافِ فَارِسٍ.

وَكَانَتِ الْوِلَايَةُ هِيَ الْحَدَّ بَيْنَ فَارِسَ وَكَرْمَانَ بِيَدِ إِنْسَانٍ يُسَمَّى مُوسَى، وَكَانَ ذَا رَأْيٍ وَمَكْرٍ، فَاجْتَمَعَ بِالْعَسْكَرِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ الْجَادَّةِ الْمَسْلُوكَةِ، وَقَالَ: إِنَّ جَاوْلِي مُحْتَاطٌ مِنْهَا، وَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا غَيْرَ مَسْلُوكَةٍ، بَيْنَ جِبَالٍ وَمَضَايِقَ.

وَكَانَ جَاوْلِي يُحَاصِرُ فَرَجَ، وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهَا، وَهُوَ يُدْمِنَ الشُّرْبَ، فَسَيَّرَ أَمِيرًا مِنْ عَسْكَرِهِ لِيَلْقَى الْعَسْكَرَ الْمُنْفَذَ مِنْ كَرْمَانَ، فَسَارَ الْأَمِيرُ، فَلَمْ يَرَ أَحَدًا، فَظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ عَادُوا، فَرَجَعَ إِلَى جَاوْلِي وَقَالَ: إِنَّ الْعَسْكَرَ كَانَ قَلِيلًا، فَعَادَ خَوْفًا مِنَّا، فَاطْمَأَنَّ حِينَئِذٍ جَاوْلِي، وَأَدْمَنَ شُرْبَ الْخَمْرِ.

وَوَصَلَ عَسْكَرُ كَرْمَانَ إِلَيْهِ لَيْلًا، وَهُوَ سَكْرَانُ، نَائِمٌ، فَأَيْقَظَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَأَخْبَرَهُ، فَقَطَعَ لِسَانَهُ، فَأَتَاهُ غَيْرُهُ وَأَيْقَظَهُ وَعَرَّفَهُ الْحَالَ، فَاسْتَيْقَظَ وَرَكِبَ وَانْهَزَمَ، وَقَدْ تَفَرَّقَ عَسْكَرُهُ مُنْهَزِمِينَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَأَسَرَ كَثِيرًا، وَأَدْرَكَهُ خَسْرُو وَابْنُ أَبِي سَعْدٍ الَّذِي قَتَلَ جَاوْلِي أَبَاهُ، فَسَارَا مَعَهُ فِي أَصْحَابِهِمَا، فَالْتَفَتَ، فَلَمْ يَرَ مَعَهُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ الْأَتْرَاكِ، فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ، فَقَالَا لَهُ: إِنَّا لَا نَغْدِرُ بِكَ، وَلَنْ تَرَى مِنَّا إِلَّا الْخَيْرَ وَالسَّلَامَةَ، وَسَارَا مَعَهُ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ فَسَا، وَاتَّصَلَ بِهِ الْمُنْهَزِمُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ كَرْمَانَ الْأَسْرَى وَجَهَّزَهُمْ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>