وَبَيْنَمَا جَاوْلِي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ لِيُعَاوِدَ كَرْمَانَ، وَيَأْخُذُ بِثَأْرِهِ، تُوُفِّيَ الْمَلِكُ جَغْرِي بْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَعُمُرُهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِهِ، فَأَرْسَلَ مَلِكُ كَرْمَانَ رَسُولًا إِلَى السُّلْطَانِ، وَهُوَ بِبَغْدَاذَ، يَطْلُبُ مِنْهُ مَنْعَ جَاوْلِي عَنْهُ، فَأَجَابَهُ السُّلْطَانُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِرْضَاءِ جَاوْلِي وَتَسْلِيمِ فَرَجٍ إِلَيْهِ، فَعَادَ الرَّسُولُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَتُوِفِّيَ جَاوْلِي، فَأَمِنُوا مَا كَانُوا يَخَافُونَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ سَارَ عَنْ بَغْدَاذَ إِلَى أَصْبَهَانَ، خَوْفًا عَلَى فَارِسَ مِنْ صَاحِبِ كَرْمَانَ.
ذِكْرُ فَتْحِ جَبَلَ وَسْلَاتَ وَتُونُسَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ حَصَرَ عَسْكَرُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى، صَاحِبِ إِفْرِيقِيَّةَ مَدِينَةَ تُونُسَ وَبِهَا أَحْمَدُ بْنُ خُرَاسَانَ، وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ بِهَا، فَصَالَحَهُ عَلَى مَا أَرَادَ.
وَفِيهَا فَتَحَ أَيْضًا جَبَلَ وَسْلَاتَ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَهُوَ جَبَلٌ مَنِيعٌ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُهُ، طُولَ الدَّهْرِ يَفْتِكُونَ بِالنَّاسِ، وَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا اسْتَمَرَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَيَّرَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا، فَكَانَ أَهْلُ الْجَبَلِ يَنْزِلُونَ إِلَى الْجَيْشِ، وَيُقَاتِلُونَ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَعَمِلَ قَائِدُ الْجَيْشِ الْحِيلَةِ فِي الصُّعُودِ إِلَى الْجَبَلِ مِنْ شِعْبٍ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يُصْعَدُ مِنْهُ، فَلَمَّا صَارَ فِي أَعْلَاهُ، فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثَارَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْجَبَلِ، فَصَبَرَ لَهُمْ، وَقَاتَلَهُمْ فِيمَنْ مَعَهُ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَتَتَابَعَ الْجَيْشُ فِي الصُّعُودِ إِلَيْهِ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الْجَبَلِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِيهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَى نَفْسَهُ فَتَكَسَّرَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْلَتَ، وَاحْتَمَى جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ بِقَصْرٍ فِي الْجَبَلِ، فَلَمَّا أَحَاطَ بِهِمُ الْجَيْشُ طَلَبُوا أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مَنْ يُصْلِحُ حَالَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةً مِنَ الْعَرَبِ وَالْجُنْدِ، فَثَارَ بِهِمْ أُولَئِكَ بِالسِّلَاحِ، فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَطَلَعَ الْبَاقُونَ إِلَى أَعْلَى الْقَصْرِ، وَنَادَوْا أَصْحَابَهُمْ مِنَ الْجَيْشِ، فَأَتَوْهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ: بَعْضُهُمْ مِنْ أَعْلَى الْقَصْرِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ أَسْفَلِهِ، فَأَلْقَى مِنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ أَيْدِيَهُمْ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute