لَهُ السَّلْطَنَةُ، وَعَظُمَتْ هَيْبَتُهُ، وَكَثُرَتْ جُيُوشُهُ وَأَمْوَالُهُ وَكَانَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ.
ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَتِهِ
كَانَ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، شُجَاعًا، فَمِنْ عَدْلِهِ أَنَّهُ اشْتَرَى مَمَالِيكَ مِنْ بَعْضِ التُّجَّارِ، وَأَحَالَهُمْ بِالثَّمَنِ عَلَى عَامِلِ خُوزِسْتَانَ، فَأَعْطَاهُمُ الْبَعْضَ، وَمَطَلَ بِالْبَاقِي، فَحَضَرُوا مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَأَخَذُوا مَعَهُمْ غِلْمَانَ الْقَاضِي، فَلَمَّا رَآهُمُ السُّلْطَانُ قَالَ لِحَاجِبِهِ: انْظُرْ مَا حَالُ هَؤُلَاءِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ، فَقَالُوا: لَنَا خَصْمٌ يَحْضُرُ مَعَنَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ، فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالُوا: السُّلْطَانُ، وَذَكَرُوا قِصَّتَهُمْ، فَأَعْلَمَهُ ذَلِكَ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَأَكْرَهَ، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْعَامِلِ، وَأَمَرَهُ بِإِيصَالِ أَمْوَالِهِمْ، وَالْجَعْلِ الثَّقِيلِ، وَنَكَّلَ بِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ غَيْرُهُ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَقَدْ نَدِمْتُ عَظِيمًا حَيْثُ لَمْ أَحْضُرْ مَعَهُمْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، فَيَقْتَدِيَ بِي غَيْرِي، وَلَا يَمْتَنِعَ أَحَدٌ عَنِ الْحُضُورِ فِيهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ.
فَمِنْ عَدْلِهِ: أَنَّهُ لَهُ خَازِنٌ يُعْرَفُ بِأَبِي الْقَزْوِينِيِّ قَتَلَهُ الْبَاطِنِيَّةُ، فَلَمَّا قُتِلَ أَمَرَ بِعَرْضِ الْخِزَانَةِ، فَعُرِضَ عَلَيْهِ فِيهَا دُرْجٌ فِيهِ جَوْهَرٌ كَثِيرٌ نَفِيسٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْجَوْهَرَ عَرَضَهُ عَلَيَّ، مُنْذُ أَيَّامٍ، وَهُوَ فِي مُلْكِ أَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَهُ إِلَى خَادِمٍ لِيَحْفَظَهُ وَيَنْظُرَ مَنْ أَصْحَابُهُ فَيُسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا تُجَّارًا غُرَبَاءَ، وَقَدْ تَيَقَّنُوا ذَهَابَهُ وَأَيِسُوا مِنْهُ فَسَكَتُوا فَأَحْضَرَهُمْ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ.
وَمِنْ عَدْلِهِ: أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُكُوسَ وَالضَّرَائِبَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ فِعْلٌ قَبِيحٌ، وَعَلِمَ الْأُمَرَاءُ سِيرَتَهُ، فَلَمْ يَقْدَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الظُّلْمِ، وَكَفُّوا عَنْهُ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ أَعْمَالِهِ مَا فَعَلَهُ مَعَ الْبَاطِنِيَّةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ حَالِ الْبَاطِنِيَّةِ أَيَّامَ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَا اعْتَمَدَهُ مِنْ حَصْرِ قِلَاعِهِمْ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا زِيَادَةَ اهْتِمَامِهِ بِأَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لَمَّا عَلِمَ أَنَّ مَصَالِحَ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ مَنُوطَةٌ بِمَحْوِ آثَارِهِمْ، وَإِخْرَابِ دِيَارِهِمْ، وَمُلْكِ حُصُونِهِمْ وَقِلَاعِهِمْ، جَعَلَ قَصْدَهُمْ دَأْبَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute