وَكَانَ، فِي أَيَّامِهِ، الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ، وَالْقَيِّمُ بِأَمْرِهِمُ الْحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ الرَّازِيَّ، صَاحِبَ قَلْعَةِ أَلَمُوتَ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ قَدْ طَالَتْ، وَلَهُ مُنْذُ مَلَكَ قَلْعَةَ أَلَمُوتَ مَا يُقَارِبُ سِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ الْمُجَاوِرُونَ لَهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ مِنْ كَثْرَةِ غَزَاتِهِ عَلَيْهِمْ وَقَتْلِهِ وَأَسْرِ رِجَالِهِمْ، وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ الْعَسَاكِرَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَعَادَتْ مِنْ غَيْرِ بُلُوغِ غَرَضٍ. فَلَمَّا أُعْضِلَ دَاؤُهُ نَدَبَ لِقِتَالِهِ الْأَمِيرَ أَنُوشْتِكِينَ شِيرِكِيرَ، صَاحِبَ آبَّةَ، وَسَاوَةَ، وَغَيْرِهِمَا، فَمَلَكَ مِنْهُمْ عِدَّةَ قِلَاعٍ مِنْهَا قَلْعَةُ كَلَامَ، مَلَكَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ مُقَدَّمُهَا يُعْرَفُ بِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى، فَأَمَّنَهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى أَلَمُوتَ، وَمَلَكَ مِنْهُمْ أَيْضًا قَلْعَةَ بِيرَةَ، وَهِيَ عَلَى سَبْعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ قَزْوِينَ، وَأَمَّنَهُمْ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى أَلَمُوتَ أَيْضًا.
وَسَارَ إِلَى قَلْعَةِ أَلَمُوتَ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَأَمَدَّهُ السُّلْطَانُ بِعِدَّةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ، فَحَصَرَهُمْ، وَكَانَ هُوَ، مِنْ بَيْنِهِمْ، صَاحِبَ الْقَرِيحَةِ وَالْبَصِيرَةِ فِي قِتَالِهِمْ، مَعَ جَوْدَةِ رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ، فَبَنَى عَلَيْهَا مَسَاكِنَ يَسْكُنُهَا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَعَيَّنَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ أَشْهُرًا يُقِيمُونَهَا، فَكَانُوا يُنِيبُونَ، وَيَحْضُرُونَ، وَهُوَ مُلَازِمُ الْحِصَارِ، وَكَانَ السُّلْطَانُ يَنْقُلُ إِلَيْهِ الْمِيرَةَ، وَالذَّخَائِرَ، وَالرِّجَالَ، فَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى الْبَاطِنِيَّةِ، وَعَدِمَتْ عِنْدَهُمُ الْأَقْوَاتُ وَغَيْرُهَا، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ نَزَّلُوا نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ مُسْتَأْمَنِينَ، وَسَأَلُوا أَنْ يُفْرَجَ لَهُمْ وَلِرِجَالِهِمْ عَنِ الطَّرِيقِ، وَيُؤَمَّنُوا، فَلَمْ يُجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، وَأَعَادَهُمْ إِلَى الْقَلْعَةِ، قَصْدًا لِيَمُوتَ الْجَمِيعُ جُوعًا.
وَكَانَ ابْنُ الصَّبَّاحِ يُجْرِي لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فِي الْيَوْمِ، رَغِيفًا، وَثَلَاثَ جَوَزَاتٍ، فَلَمَّا بَلَغَ بِهِمُ الْأَمْرَ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، بَلَغَهُمْ مَوْتُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَطَابَتْ قُلُوبُهُمْ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْعَسْكَرِ الْمُحَاصِرِ لَهُمْ بَعْدَهُمْ بِيَوْمٍ، وَعَزَمُوا عَلَى الرَّحِيلِ، فَقَالَ شِيرِكِيرُ: إِنْ رَحَلْنَا عَنْهُمْ وَشَاعَ الْأَمْرُ، نَزَلُوا إِلَيْنَا، وَأَخَذُوا مَا أَعْدَدْنَا مِنَ الْأَقْوَاتِ وَالذَّخَائِرِ، وَالرَّأْيُ أَنْ نُقِيمَ عَلَى قَلْعَتِهِمْ حَتَّى نَفْتَحَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُقَامُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُقَامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَنْفُذُ مِنَّا ثِقَلُنَا وَمَا أَعْدَدْنَاهُ وَنَحْرِقُ مَا نَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ الْعَدُوُّ.
فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ عَلِمُوا صِدْقَهُ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالِاجْتِمَاعِ، فَلَمَّا أَمْسَوْا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute