للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِعَسْكَرِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا رَأَى رَافِعٌ أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِمْ رَحَلَ عَنِ الْمَهْدِيَّةِ لَيْلًا إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَمَنَعَهُ أَهْلُهَا مِنْ دُخُولِهَا، فَقَاتَلَهُمْ أَيَّامًا قَلَائِلَ، ثُمَّ دَخَلَهَا، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ إِلَيْهِ عَسْكَرًا مِنَ الْمَهْدِيَّةِ، فَحَصَرُوهُ فِيهَا إِلَى أَنْ خَرَجَ عَنْهَا، وَعَادَ إِلَى قَابِسَ، ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ إِفْرِيقِيَّةَ، مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، سَأَلُوا عَلِيًّا فِي الصُّلْحِ، فَامْتَنَعَ، ثُمَّ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ، وَتَعَاهَدَ عَلَيْهِ.

ذِكْرُ الْوَحْشَةِ بَيْنَ رَجَّارَ وَالْأَمِيرِ عَلِيٍّ

كَانَ رَجَّارُ، صَاحِبُ صِقِلِّيَةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمِيرِ عَلِيٍّ، صَاحِبِ إِفْرِيقِيَّةَ، مَوَدَّةٌ وَكِيدَةٌ، إِلَى أَنْ أَعَانَ رَافِعًا كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ، فَاسْتَوْحَشَ كُلُّ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ خَاطَبَهُ رَجَّارُ بِمَا لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِهِ، فَتَأَكَّدَتِ الْوَحْشَةُ، فَأَرْسَلَ رَجَّارُ رِسَالَةً فِيهَا خُشُونَةٌ، فَاحْتَرَزَ عَلِيٌّ مِنْهُ، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْأُسْطُولِ، وَإِعْدَادِ الْأُهْبَةِ لِلِّقَاءِ الْعَدُوِّ، وَكَاتَبَ الْمُرَابِطِينَ بِمُرَّاكِشَ فِي الِاجْتِمَاعِ مَعَهُ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى صِقِلِّيَةَ، فَكَفَّ رَجَّارُ عَمَّا كَانَ يَعْتَمِدُهُ.

ذِكْرُ قَتْلِ صَاحِبِ حَلْبَ وَاسْتِيلَاءِ إِيلْغَازِي عَلَيْهَا

فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ لُؤْلُؤٌ الْخَادِمُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى قَلْعَةِ حَلَبَ وَأَعْمَالِهَا، بَعْدَ وَفَاةِ الْمَلِكِ رِضْوَانَ، وَوَلِيَ أَتَابِكِيَّةَ وَلَدُهُ أَلْب أَرْسِلَانَ، فَلَمَّا مَاتَ أَقَامَ بَعْدَهُ فِي الْمُلْكِ سُلْطَانْشَاهْ بْنُ رِضْوَانَ، وَحَكَمَ فِي دَوْلَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ حُكْمِهِ فِي دَوْلَةِ أَخِيهِ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ سَارَ مِنْهَا إِلَى قَلْعَةِ جَعْبَرَ لِيَجْتَمِعَ بِالْأَمِيرِ سَالِمِ بْنِ مَالِكٍ صَاحِبِهَا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ قَلْعَةِ نَادِرَ نَزَلَ يُرِيقُ الْمَاءَ، فَقَصَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْأَتْرَاكِ، وَصَاحُوا: أَرْنَبَ، أَرْنَبَ! وَأَوْهَمُوا أَنَّهُمْ يَتَصَيَّدُونَ، وَرَمَوْهُ بِالنُّشَّابِ، فَقُتِلَ، فَلَمَّا هَلَكَ نَهَبُوا خِزَانَتَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَهْلُ حَلَبَ، فَاسْتَعَادُوا مَا أَخَذُوهُ.

وَوَلِيَ أَتَابِكِيَّةَ سُلْطَانْشَاهْ بْنُ رِضْوَانَ شَمْسُ الْخَوَاصِّ يَارُو قَتَّاشُ، فَبَقِيَ شَهْرًا، وَعَزَلُوهُ، وَوَلِيَ بَعْدَهُ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمِلْحِيِّ الدِّمَشْقِيُّ، ثُمَّ عَزَلُوهُ وَصَادَرُوهُ.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ قَتْلِ لُؤْلُؤٍ أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ سُلْطَانْشَاهْ، كَمَا قُتِلَ أَخَاهُ أَلْب أَرْسِلَانَ قَبْلَهُ، فَفَطِنَ بِهِ أَصْحَابُ سُلْطَانْشَاهْ، فَقَتَلُوهُ، وَقِيلَ كَانَ قَتْلُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>