ثُمَّ إِنَّ السُّلْطَانَ وَلَّى شِحْنَكِيَّةَ بَغْدَاذَ الْأَمِيرَ مَنْكُوبَرْسَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ، وَقَدْ حَكَمَ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، فَلَمَّا أُعْطِيَ الشِّحْنَكِيَّةَ سَيَّرَ إِلَيْهَا رَبِيبَهُ الْأَمِيرَ حُسَيْنَ بْنَ أَزْبَكَ، أَحَدَ الْأُمَرَاءِ الْأَتْرَاكِ، وَهُوَ صَاحِبُ أَسَدَابَاذَ، لِيَنُوبَ عَنْهُ بِبَغْدَاذَ وَالْعِرَاقَ، وَفَارَقَ السُّلْطَانُ مِنْ بَابِ هَمَذَانَ، وَاتَّصَلَ بِهِ جَمَاعَةُ الْأُمَرَاءِ الْبَكَجِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ الْبُرْسُقِيُّ خَاطَبَ الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَظْهِرَ بِاللَّهِ لِيَأْمُرَهُ بِالتَّوَقُّفِ إِلَى أَنْ يُكَاتِبَ السُّلْطَانَ، وَيَفْعَلَ مَا يَرُدُّ بِهِ الْأَمْرَ عَلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ، فَأَجَابَ: إِنْ يَرْسُمِ الْخَلِيفَةُ بِالْعَوْدِ عُدْتُ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ بَغْدَاذَ. فَجَمَعَ الْبُرْسُقِيُّ أَصْحَابَهُ وَسَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ أَخٌ لِحُسَيْنٍ، وَانْهَزَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَعَادُوا إِلَى عَسْكَرِ السُّلْطَانِ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَبْلَ وَفَاةِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ بِأَيَّامٍ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَادِسَ عَشَرَ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، تُوُفِّيَ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَكَانَ مَرَضُهُ التَّرَاقِيَ، وَكَانَ عُمُرُهُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَخِلَافَتُهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَوَزَرَ لَهُ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ جَهِيرٍ، وَسَدِيدُ الْمُلْكِ أَبُو الْمَعَالِي الْمُفَضَّلُ بْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَزَعِيمُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ جَهِيرٍ، وَمَجْدُ الدِّينَ أَبُو الْمَعَالِي هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَنِظَامُ الدِّينِ أَبُو مَنْصُورٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَنَابَ عَنِ الْوِزَارَةِ أَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو سَعْدِ بْنُ الْمُوصَلَايَا، وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الدَّامَغَانِيِّ، وَمَضَى، فِي أَيَّامٍ، ثَلَاثَةُ سَلَاطِينَ خَطَبَ لَهُمْ بِالْحَضْرَةِ، وَهُمْ: تَاجُ الدَّوْلَةِ تِتْشُ بْنُ أَلْب أَرْسِلَانَ، وَالسُّلْطَانُ بُرْكِيارُقُ وَمُحَمَّدُ ابْنَا مُلْكِشَاهْ.
وَمِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ لَمَّا تُوَفِّيَ السُّلْطَانُ أَلْب أَرْسِلَانَ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مُلْكِشَاهْ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ الْمُقْتَدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ تُوُفِّيَ بَعْدَهُ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute