للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ بَعْضِ أَخْلَاقِهِ وَسِيرَتِهِ

كَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ، يُحِبُّ اصْطِنَاعَ النَّاسِ، وَيَفْعَلُ الْخَيْرَ، وَيُسَارِعُ إِلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمَثُوبَاتِ، مَشْكُورَ الْمَسَاعِي لَا يَرُدُّ مُكْرُمَةً تُطْلَبُ مِنْهُ.

وَكَانَ كَثِيرَ الْوُثُوقِ بِمَنْ يُوَلِّيهِ، غَيْرَ مُصْغٍ إِلَى سَاعٍ، وَلَا مُلْتَفِتٍ إِلَى قَوْلِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ تَلَوُّنٌ، وَانْحِلَالُ عَزْمٍ، بِأَقْوَالِ أَصْحَابِ الْأَغْرَاضِ.

وَكَانَتْ أَيَّامُهُ أَيَّامَ سُرُورٍ لِلرَّعِيَّةِ، فَكَأَنَّهَا مِنْ حُسْنِهَا أَعْيَادٌ، وَكَانَ إِذَا بَلَغَهُ ذَلِكَ فَرِحَ بِهِ وَسَرَّهُ، وَإِذَا تَعَرَّضَ سُلْطَانٌ أَوْ نَائِبٌ لَهُ لِأَذَى أَحَدٍ بَالَغَ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ وَالزَّجْرِ عَنْهُ.

وَكَانَ حَسَنَ الْخَطِّ، جَيِّدَ التَّوْقِيعَاتِ، لَا يُقَارِبُهُ فِيهَا أَحَدٌ، يَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ غَزِيرٍ، وَعِلْمٍ وَاسِعٍ، وَلَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا، وَدُفِنَ فِي حُجْرَةٍ لَهُ كَانَ يَأْلَفُهَا. وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:

أَذَابَ حَرُّ الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مَا جَمَدَا ... لَمَّا مَدَدْتُ إِلَى رَسْمِ الْوَدَاعِ يَدَا

وَكَيْفَ أَسْلُكُ نَهْجَ الِاصْطِبَارِ وَقَدْ أَرَى ... طَرَائِقَ فِي مَهْوَى الْهَوَى قِدَدَا

قَدْ أَخْلَفَ الْوَعْدَ بَدْرٌ قَدْ شُغِفْتُ بِهِ مِنْ ... بَعْدِ مَا قَدْ وَفَى دَهْرِي بِمَا وَعَدَا

إِنْ كُنْتُ أَنْقُضُ عَهْدَ الْحُبِّ فِي خَلَدِي ... مِنْ بَعْدِ هَذَا، فَلَا عَايَنْتُهُ أَبَدَا

ذِكْرُ خِلَافَةِ الْإِمَامِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ

لَمَّا تُوُفِّيَ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ بُويِعَ وَلَدُهُ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ أَبُو الْمَنْصُورِ الْفَضْلُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ، وَكَانَ وَلِيَّ عَهْدٍ قَدْ خُطِبَ لَهُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَبَايَعَهُ أَخَوَاهُ ابْنَا الْمُسْتَظْهِرِ بِاللَّهِ، وَهُمَا أَبُو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ، وَأَبُو طَالِبٍ الْعَبَّاسُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>