وَكَانَ الْبُرْسُقِيُّ قَدِيمًا قَدْ جَعَلَهُ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ أَتَابِكَ وَلَدِهِ مَسْعُودٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ خَوْفُهُ مِنْ جُيُوشْ بِكْ، فَلَمَّا قَارَبُوا بَغْدَاذَ سَارَ إِلَيْهِمْ لِيُقَاتِلَهُمْ وَيَصُدَّهُمْ، فَلَمَّا عَلِمَ مَسْعُودٌ وَجُيُوشْ بِكْ ذَلِكَ أَرْسَلَا إِلَيْهِ الْأَمِيرَ كَرَبَاوِيَّ فِي الصُّلْحِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا نَجْدَةً لَهُ عَلَى دُبَيْسٍ، وَاصْطَلَحُوا، وَتَعَاهَدُوا، وَاجْتَمَعُوا.
وَوَصَلَ مَسْعُودٌ إِلَى بَغْدَاذَ، وَنَزَلَ بِدَارِ الْمَمْلَكَةِ، وَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ بِوُصُولِ الْأَمِيرِ عِمَادِ الدِّينِ مَنْكُبَرْسَ، الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ، فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ فَسَارَ الْبُرْسُقِيُّ عَنْ بَغْدَاذَ نَحْوَهُ لِيُحَارِبَهُ وَيَمْنَعَهُ عَنْهَا، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِ مَنْكُبَرْسُ قَصَدَ النُّعْمَانِيَّةَ، وَعَبَرَ دِجْلَةَ هُنَاكَ، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَدُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ.
وَكَانَ دُبَيْسٌ قَدْ خَافَ مِنَ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ الْبُرْسُقِيِّ، فَبَنَى أَمْرَهُ عَلَى الْمُحَاجَزَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ، فَأَهْدَى لِمَسْعُودٍ هَدِيَّةً حَسَنَةً، وَلِلْبُرْسُقِيِّ، وَجُيُوشْ بِكْ، فَلَمَّا وَصَلَهُ خَبَرُ وَصُولِ مَنْكُبَرْسَ رَاسَلَهُ، وَاسْتَمَالَهُ، وَاسْتَحْلَفَهُ، وَاتَّفَقَا عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّنَاصُرِ، وَاجْتَمَعَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوِيَ بِصَاحِبِهِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا سَارَ الْمَلِكُ مَسْعُودٌ، وَالْبُرْسُقِيُّ، وَجُيُوشْ بِكْ، وَمَنْ مَعَهُمْ، إِلَى الْمَدَائِنِ لِلِقَاءِ دُبَيْسٍ وَمَنْكُبَرْسَ، فَلَمَّا وَصَلُوا الْمَدَائِنَ أَتَتْهُمُ الْأَخْبَارُ بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ مَعَهُمَا، فَعَادَ الْبُرْسُقِيُّ، وَالْمَلِكُ مَسْعُودٌ، وَعَبَرَا نَهَرَ صَرْصَرَ، وَحَفِظَا الْمَخَاضَاتِ عَلَيْهِ، وَنَهَبَتِ الطَّائِفَتَانِ السَّوَادَ نَهْبًا فَاحِشًا: نَهْرَ الْمَلِكِ، وَنَهْرَ صَرْصَرَ، وَنَهْرَ عِيسَى، وَبَعْضَ دُجَيْلَ، وَاسْتَبَاحُوا النِّسَاءَ.
فَأَرْسَلَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ إِلَى الْمَلِكِ مَسْعُودٍ وَالْبُرْسُقِيِّ يُنْكِرُ هَذِهِ الْحَالَ، وَيَأْمُرُهُمَا بِحَقْنِ الدِّمَاءِ، وَتَرْكِ الْفَسَادِ، وَيَأْمُرُ بِالْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ، وَكَانَ الرُّسُلُ: سَدِيدَ الدَّوْلَةِ بْنَ الْأَنْبَارِيِّ، وَالْإِمَامَ الْأَسْعَدَ الْمِيهَنِيَّ، مُدَرِّسَ النِّظَامِيَّةِ، فَأَنْكَرَ الْبُرْسُقِيُّ أَنْ يَكُونَ جَرَى مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَجَابَ إِلَى الْعَوْدِ إِلَى بَغْدَاذَ، فَوَصَلَ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنْ مَنْكُبَرْسَ وَدُبَيْسًا قَدْ جَهَّزَا ثَلَاثَةَ آلَافِ فَارِسٍ مَعَ مَنْصُورٍ أَخِي دُبَيْسٍ، وَالْأَمِيرِ حُسَيْنِ بْنِ أَزْبِكَ، رَبِيبِ مَنْكُبَرْسَ، وَسَيَّرُوهُمْ، وَعَبَرُوا عِنْدَ دَرْزِيجَانَ لِيَقْطَعُوا مَخَاضَةَ عِنْدَ دَيَالَى إِلَى بَغْدَاذَ، لِخُلُوِّهَا مِنْ عَسْكَرٍ يَحْمِيهَا وَيَمْنَعُ عَنْهَا.
فَعَادَ الْبُرْسُقِيُّ إِلَى بَغْدَاذَ، وَعَبَرَ الْجِسْرَ لِئَلَّا يَخَافَ النَّاسُ، وَلَمْ يَعْلَمُوا الْخَبَرَ وَخَلَّفَ ابْنَهُ عِزَّ الدِّينِ مَسْعُودًا عَلَى عَسْكَرِهِ بِصَرْصَرَ، وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ عِمَادَ الدِّينِ زِنْكِيَّ بْنَ آقْسُنْقُرَ، فَوَصَلَ إِلَى دَيَالَى، وَمَنَعَ عَسْكَرَ مَنْكُبَرْسَ مِنَ الْعُبُورِ، فَأَقَامَ يَوْمَيْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute