جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَعُمُرُهُ حِينَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، فَخَطَبَ لَهُ ثَانِيَ رَبِيعٍ الْآخِرِ بِبَغْدَاذَ، وَكَتَبَ إِلَى الْبِلَادِ بِالْخُطْبَةِ لَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى دُبَيْسٍ فِي مَعْنَى الْأَمِيرِ أَبِي الْحَسَنِ، وَأَنَّهُ الْآنَ قَدْ فَارَقَ جِوَارَهُ، وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى بِلَادِ الْخَلِيفَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِقَصْدِهِ وَمُعَاجَلَتِهِ قَبْلَ قُوَّتِهِ، فَأَرْسَلَ دُبَيْسٌ الْعَسَاكِرَ عَلَيْهِ، فَفَارَقَ وَاسِطَ، وَقَدْ تَحَيَّرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَضَّلُوا الطَّرِيقَ، وَوَصَلَتْ عَسَاكِرُ دُبَيْسٍ، فَصَادَفُوهُمْ عِنْدَ الصُّلْحِ، فَنَهَبُوا أَثْقَالَهُ، وَهَرَبَ الْأَكْرَادُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَالْأَتْرَاكُ، وَعَادَ الْبَاقُونَ إِلَى دُبَيْسٍ.
وَبَقِيَ الْأَمِيرُ أَبُو الْحَسَنِ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ عَطْشَانُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ خَمْسَةُ فَرَاسِخَ، وَكَانَ الزَّمَانُ قَيْظًا، فَأَيْقَنَ بِالتَّلَفِ، وَتَبِعَهُ بَدَوِيَّانِ، فَأَرَادَ الْهَرَبَ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَقْدِرْ، فَأَخَذَاهُ، وَقَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ، فَسَقَيَاهُ، وَحَمَلَاهُ إِلَى دُبَيْسٍ، فَسَيَّرَهُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَحَمَلَهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ، بَعْدَ أَنْ بَذَلَ لَهُ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَحُمِلَ إِلَى الدَّارِ الْعَزِيزَةِ، وَكَانَ بَيْنَ خُرُوجِهِ عَنْهَا وَعَوْدِهِ إِلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا.
وَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ قَبَّلَ قَدَمَهُ، وَقَبَّلَهُ الْمُسْتَرْشِدُ، وَبَكَيَا، وَأَنْزَلَهُ دَارًا حَسَنَةً كَانَ هُوَ يُسْكُنُهَا قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْخِلَافَةَ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ الْخِلَعَ، وَالتُّحَفَ الْكَثِيرَةَ، وَطَيَّبَ نَفْسَهُ وَأَمَّنَهُ.
ذِكْرُ مَسِيرِ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ وَجُيُوشْ بِكْ إِلَى الْعِرَاقِ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْبُرْسُقِيِّ وَدُبَيْسٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، بَرَزَ الْبُرْسُقِيُّ، وَنَزَلَ بِأَسْفَلِ الرَّقَّةِ فِي عَسْكَرِهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الْحِلَّةِ وَإِجْلَاءِ دُبَيْسِ بْنِ صَدَقَةَ عَنْهَا.
وَجَمَعَ دُبَيْسٌ جُمُوعًا كَثِيرَةً مِنَ الْعَرَبِ وَالْأَكْرَادِ، وَفَرَّقَ الْأَمْوَالَ الْكَثِيرَةَ وَالسِّلَاحَ.
وَكَانَ الْمَلِكُ مَسْعُودُ بْنُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ بِالْمَوْصِلِ مَعَ أَتَابِكِهِ أَيْ أَبَّهَ جُيُوشْ بِكْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ عِنْدَهُمَا بِقَصْدِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ دُونَهُ فَسَارَا فِي جُيُوشٍ كَثِيرَةٍ، وَمَعَ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ وَزِيرُهُ فَخْرُ الْمُلْكِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ عَمَّارٍ، صَاحِبُ طَرَابُلُسَ، وَقَسِيمُ الدَّوْلَةِ زِنْكِيُّ بْنُ آقْسُنْقُرَ جَدُّ مُلُوكِنَا الْآنَ بِالْمَوْصِلِ، وَكَانَ مِنَ الشَّجَاعَةِ فِي الْغَايَةِ، وَمَعَهُمْ أَيْضًا صَاحِبُ سَنَجَارُ، وَأَبُو الْهَيْجَاءِ، صَاحِبُ إِرْبَلَ، وَكَرَبَاوِيُّ بْنُ خُرَاسَانَ التُّرْكُمَانِيُّ، صَاحِبُ الْبَوَازِيجِ. فَلَمَّا عَلِمَ الْبُرْسُقِيُّ قُرْبَهُمْ خَافَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute