للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْوَالِ، وَانْتَقَلَ جَمَاعَةٌ إِلَى حَرِيمِ دَارِ الْخِلَافَةِ خَوْفًا مِنْهُ، وَبَطَلَتْ مَعَايِشُ النَّاسِ، وَأَكْثَرَ أَصْحَابُهُ الْفَسَادَ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَهْلِ بَغْدَاذَ زُفَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَهَا، فَعَلِمَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَنْكُبَرْسَ، فَأَتَاهُ وَكَسَرَ الْبَابَ وَجَرَحَ الزَّوْجَ عِدَّةَ جِرَاحَاتٍ، وَابْتَنَى بِزَوْجَتِهِ، فَكَثُرَ الدُّعَاءُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَاسْتَغَاثَ النَّاسُ لِهَذِهِ الْحَالِ، وَأَغْلَقُوا الْأَسْوَاقَ، فَأُخِذَ الْجُنْدِيُّ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ فَاعْتُقِلَ أَيَّامًا ثُمَّ أُطْلِقَ.

وَسَمِعَ السُّلْطَانُ بِمَا يَفْعَلُهُ مَنْكُبَرْسُ بِبَغْدَاذَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى اللُّحُوقِ بِهِ، وَهُوَ يُغَالِطُ وَيُدَافِعُ، وَكُلَّمَا طَلَبَهُ السُّلْطَانُ لَجَّ فِي جَمْعِ الْأَمْوَالِ وَالْمُصَادَرَاتِ. فَلَمَّا عَلِمَ أَهْلُ بَغْدَاذَ تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ، وَاسْتَدْعَاهُ إِيَّاهُ طَمِعُوا فِيهِ، فَسَارَ حِينَئِذٍ مَنْكُبَرْسُ عَنْهُمْ خَوْفًا أَنْ يَثُورُوا بِهِ، وَكَفَى النَّاسَ شَرَّهُ وَظَهَرَ مَنْ كَانَ مُسْتَتِرًا.

ذِكْرُ وَفَاةِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ وَمَا كَانَ بَيْنَ الْفِرِنْجِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ تُوُفِّيَ بَغْدُوِينُ مَلِكُ الْقُدْسِ وَكَانَ قَدْ سَارَ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ فِي جَمْعِ الْفِرِنْجِ، قَاصِدًا مُلْكَهَا وَالتَّغَلُّبَ عَلَيْهَا وَقَوِيَ طَمَعُهُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَبَلَغَ مَقَابِلَ تَنِّيسَ، وَسَبَحَ فِي النِّيلِ، فَانْتَقَضَ جُرْحٌ كَانَ بِهِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ عَادَ إِلَى الْقُدْسِ، فَمَاتَ، وَوَصَّى بِبِلَادِهِ لِلْقُمَّصِ صَاحِبِ الرُّهَا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَسَرَهُ جَكَرْمِشُ، وَأَطْلَقَهُ جَاوْلِي سَقَّاوُو، وَاتَّفَقَ أَنَّ هَذَا الْقُمَّصَ كَانَ قَدْ سَارَ إِلَى الْقُدْسِ يَزُورُ بِيعَةَ قُمَامَةَ، فَلَمَّا وَصَّى إِلَيْهِ بِالْمُلْكِ قَبِلَهُ، وَاجْتَمَعَ لَهُ الْقُدْسُ وَالرُّهَا.

وَكَانَ أَتَابِكُ طُغْتِكِينُ قَدْ سَارَ عَنْ دِمَشْقَ لِقِتَالِ الْفِرِنْجِ، فَنَزَلَ بَيْنَ دَيْرِ أَيُّوبَ وَكَفْرِ بَصَلٍ بِالْيَرْمُوكِ، فَخَفِيَتْ عَنْهُ وَفَاةُ بَغْدُوِينَ، حَتَّى سَمِعَ الْخَبَرَ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبَيْنَهُمْ نَحْوُ يَوْمَيْنِ، فَأَتَتْهُ رُسُلُ مَلِكِ الْفِرِنْجِ يَطْلُبُ الْمُهَادَنَةَ، فَاقْتَرَحَ عَلَيْهِ طُغْتِكِينُ تَرْكَ الْمُنَاصَفَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ مِنْ جَبَلِ عَوْفٍ، وَالْحَنَّانَةِ، وَالصَّلْتِ، وَالْغَوْرِ، فَلَمْ يُجِبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>