إِلَى ذَلِكَ، وَأَظْهَرَ الْقُوَّةَ، فَسَارَ طُغْتِكِينُ إِلَى طَبَرِيَّةَ فَنَهَبَهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَسَارَ مِنْهَا نَحْوَ عَسْقَلَانَ.
وَكَانَتْ لِلْمِصْرِيِّينَ وَبِهَا عَسَاكِرُهُمْ، وَكَانُوا قَدْ سَيَّرُوهَا لَمَّا عَادَ مَلَكُ الْقُدْسِ الْمُتَوَفَّى عَنْ مِصْرَ، وَكَانُوا سَبْعَةَ آلَافِ فَارِسٍ، فَاجْتَمَعَ بِهِمْ طُغْتِكِينُ، وَأَعْلَمَهُ الْمُقْدَّمُ عَلَيْهِمْ أَنَّ صَاحَبَهُمْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ رَأْيِ طُغْتِكِينَ، وَالتَّصَرُّفِ عَلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ، فَأَقَامُوا بِعَسْقَلَانَ نَحْوَ شَهْرَيْنِ، وَلَمْ يُؤَثِّرُوا فِي الْفِرِنْجِ أَثَرًا، فَعَادَ طُغْتِكِينُ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَتَاهُ الصَّرِيخُ بِأَنَّ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنَ الْفِرِنْجِ أَخَذُوا حِصْنًا مِنْ أَعْمَالِهِ يُعْرَفُ بِالْحَبْسِ، يُعْرَفُ بِحِصْنِ جَلْدَكَ، سَلَّمَهُ إِلَيْهِمُ الْمُسْتَحْفِظُ بِهِ وَقَصَدُوا أَذَرِعَاتَ فَنَهَبُوهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ تَاجُ الْمُلُوكِ بُورِيُّ بْنُ طُغْتِكِينَ، فَانْحَازُوا عَنْهُ إِلَى جَبَلٍ هُنَاكَ، فَنَازَلَهُمْ، فَأَتَاهُ أَبُوهُ وَنَهَاهُ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَطَمِعَ فِيهِمْ فَلَمَّا أَيِسَ الْفِرِنْجُ قَاتَلُوا قِتَالَ مُسْتَقْتِلٍ، فَنَزَلُوا مِنَ الْجَبَلِ وَحَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلَةً صَادِقَةً هَزَمُوهُمْ بِهَا، وَأَسَرُوا وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا، وَعَادَ الْفَلُّ إِلَى دِمَشْقَ عَلَى أَسْوَأِ حَالٍ.
فَسَارَ طُغْتِكِينُ إِلَى حَلَبَ، وَبِهَا إِيلْغَازِي، فَاسْتَنْجَدَهُ، وَطَلَبَ مِنْهُ التَّعَاضُدَ عَلَى الْفِرِنْجِ، فَوَعَدَهُ بِالْمَسِيرِ مَعَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ بِحَلَبَ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْفِرِنْجَ قَصَدُوا حَوْرَانَ مِنْ أَعْمَالِ دِمَشْقَ، فَنَهَبُوا وَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَعَادُوا، فَاتَّفَقَ رَأْيُ طُغْتِكِينَ وَإِيلْغَازِي عَلَى عَوْدِ طُغْتِكِينَ إِلَى دِمَشْقَ، وَحِمَايَةِ بِلَادِهِ، وَعَوْدِ إِيلْغَازِي إِلَى مَارِدِينَ، وَجَمْعِ الْعَسَاكِرِ، وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى حَرْبِ الْفِرِنْجِ فَصَالَحَ إِيلْغَازِي مَنْ يَلِيهُ مِنَ الْفِرِنْجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَعَبَرَ إِلَى مَارِدِينَ لِجَمْعِ الْعَسَاكِرِ، وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَطَعَ الْغَيْثُ، وَعَدِمَتِ الْغَلَّاتُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبِلَادِ، وَكَانَ أَشَدُّهُ بِالْعِرَاقِ، فَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَأَجْلَى أَهْلُ السَّوَادِ، وَتَقَوَّتَ النَّاسُ بِالنُّخَالَةِ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَاذَ بِمَا كَانَ يَفْعَلُهُ مَنْكُبَرْسُ بِهِمْ.
وَفِيهَا أَسْقَطَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ مِنَ الْإِقْطَاعِ الْمُخْتَصِّ بِهِ كُلَّ جَوْرٍ، وَأَمَرَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ إِلَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْقَدِيمَةُ، وَأَطْلَقَ ضَمَانَ غَزْلِ الذَّهَبِ، وَكَانَ صُنَّاعُ السِّقْلَاطُونِ، وَالْمُمَزَّجِ، وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُ مِنْهُ، يَلْقَوْنَ شِدَّةً مِنَ الْعُمَّالِ عَلَيْهَا، وَأَذًى عَظِيمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute