للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَرَجَهَانَ، وَكَانَا قَدْ فَارَقَاهَا وَجَمَعَا الْعَسَاكِرَ، وَكَانَ ضَلَالُهُمَا هِدَايَةً لَهُمَا إِلَى السَّلَامَةِ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُودًا جَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى سَمِيرَانَ، وَقَالَ: إِنَّهَا حِصْنُهُمَا الَّذِي فِيهِ الذَّخَائِرُ وَالْأَمْوَالُ،، وَإِذَا عَلِمَا بِوُصُولِهِ إِلَيْهِمَا، فَرُبَّمَا صَادَفَهُمَا فِي الطَّرِيقِ، فَسَلِمَا مِنْهُ بِمَا ظَنَّاهُ عَطَبًا لَهُمَا.

وَوَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى الْعَسْكَرِ، فَكَبَسَهُ وَنَهَبَهُ، وَأَخَذَ مِنْ خِزَانَةِ أَخِيهِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَذَلِكَ الْمَالُ الَّذِي أَنْفَذَهُ لَهُ، وَأَقَامَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ بِزَنْجَانَ، وَتَوَجَّهَ مِنْهَا إِلَى الرَّيِّ، وَنَزَلَ طُغْرَلُ مِنْ سَرْجَهَانَ، وَلَحِقَ هُوَ وَكُنْتَغْدِي بِكَنْجَةَ وَقَصَدَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، وَتَمَكَّنَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ مَحْمُودٍ.

ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ سَنْجَرَ وَالسُّلْطَانِ مَحْمُودٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، كَانَتْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ بَيْنَ سَنْجَرَ وَابْنِ أَخِيهِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ سِيَاقَةَ ذَلِكَ:

قَدْ ذَكَرْنَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مَسِيرَ السُّلْطَانِ سَنْجَرَ إِلَى غَزْنَةَ، وَفَتْحَهَا وَمَا كَانَ مِنْهُ فِيهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى خُرَاسَانَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ وَفَاةُ أَخِيهِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَجُلُوسُ وَلَدِهِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ فِي السَّلْطَنَةِ وَهُوَ زَوْجُ ابْنَةِ سَنْجَرَ، لَحِقَهُ حُزْنٌ عَظِيمٌ لِمَوْتِ أَخِيهِ، وَأَظْهَرَ مِنَ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَجَلَسَ لِلْعَزَاءِ عَلَى الرَّمَادِ، وَأَغْلَقَ الْبَلَدَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَتَقَدَّمَ إِلَى الْخُطَبَاءِ بِذِكْرِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ بِمَحَاسِنِ أَعْمَالِهِ مِنْ قِتَالِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَإِطْلَاقِ الْمُكُوسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَكَانَ سَنْجَرُ يُلَقَّبُ بِنَاصِرِ الدِّينِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَخُوهُ مُحَمَّدٌ تَلَقَّبَ بِمُعِزِّ الدِّينِ، وَهُوَ لَقَبُ أَبِيهِ مُلْكِشَاهْ، وَعَزَمَ عَلَى قَصْدِ بَلَدِ الْجِبَالِ وَالْعِرَاقِ وَمَا بِيَدِ مَحْمُودِ ابْنِ أَخِيهِ، فَنَدِمَ عَلَى قَتْلِ وَزِيرِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ فَخْرِ الْمُلْكِ أَبِي الْمُظَفَّرِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ.

وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ وَحَّشَ الْأُمَرَاءَ، وَاسْتَخَفَّ بِهِمْ، فَأَبْغَضُوهُ وَكَرِهُوهُ، وَشَكَوْا مِنْهُ إِلَى السُّلْطَانِ، وَهُوَ بِغَزْنَةَ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يُؤْثِرُ قَتْلَهُ، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِغَزْنَةَ.

وَكَانَ سَنْجَرُ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَى وَزِيرِهِ لِأَسْبَابٍ مِنْهَا: أَنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِقَصْدِ غَزْنَةَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بُسْتَ أَرْسَلَ أَرْسِلَانْشَاهْ صَاحِبُهَا إِلَى الْوَزِيرِ، وَضَمِنَ لَهُ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ لِيَثْنِيَ سَنْجَرَ عَنْ قَصْدِهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمُصَالَحَتِهِ، وَالْعَوْدِ عَنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>