وَكَانَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ قَدْ وَصَلَ إِلَى الرَّيِّ، وَهُوَ بِهَا، وَعَادَ الْأَمِيرُ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ إِلَيْهِ، فَشَكَرَهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى عَسْكَرِهِ الَّذِينَ مَعَهُ.
وَأُشِيرَ عَلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ بِمُلَازَمَةِ الرَّيِّ، وَالْمُقَامِ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّ عَسَاكِرَ خُرَاسَانَ إِذَا عَلِمُوا بِمُقَامِكَ فِيهَا لَا يُفَارِقُونَ حُدُودَهُمْ، وَلَا يَتَعَدَّوْنَ وِلَايَتَهُمْ.
فَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ وَضَجِرَ مِنَ الْمُقَامِ، وَسَارَ إِلَى جُرْجَانَ.
وَوَصَلَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ وَالْأَمِيرُ مَنْكُبَرْسُ مِنَ الْعِرَاقِ فِي عَشَرَةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَالْأَمِيرُ مَنْصُورُ بْنُ صَدَقَةَ أَخُو دُبَيْسٍ، وَالْأُمَرَاءُ الْبَكْجِيَّةُ، وَغَيْرُهُمْ، وَسَارَ مَحْمُودٌ إِلَى هَمَذَانَ، وَتُوُفِّيَ بِهَا وَزِيرُهُ الرَّبِيبُ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا طَالِبٍ السُّمِيرَمِيَّ، وَبَلَّغَهُ وُصُولَ عَمِّهِ سَنْجَرَ إِلَى الرَّيِّ، فَسَارَ نَحْوَهُ قَاصِدًا قِتَالَهُ، فَالْتَقَيَا بِالْقُرْبِ مِنْ سَاوَةَ ثَانِيَ جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ، وَكَانَ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ قَدْ عَرَفُوا الْمَفَازَةَ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْ عَسْكَرِ سَنْجَرَ، هِيَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، فَسَبَقُوهُمْ إِلَى الْمَاءِ وَمَلَكُوهُ عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ الْعَسْكَرُ الْخُرَاسَانِيُّ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا، وَمَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِيلًا اسْمُ كَبِيرِهَا بَاذْهُو، وَمِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ: وَلَدُ الْأَمِيرِ أَبِي الْفَضْلِ، صَاحِبُ سِجِسْتَانَ، وَخَوَارَزْمُشَاهْ مُحَمَّدٌ، وَالْأَمِيرُ أُنَرُ، وَالْأَمِيرُ قُمَاجُ، وَاتَّصَلَ بِهِ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ كَرَشَاسِفُ بْنُ فَرَامَرْزَ بْنِ كَاكَوَيْهِ، صَاحِبُ يَزْدَ، وَهُوَ صِهْرُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ وَسَنْجَرَ عَلَى أُخْتِهِمَا، وَكَانَ أَخَصَّ النَّاسِ بِالسُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا تَوَلَّى السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ تَأَخَّرَ عَنْهُ، فَأَقْطَعَ بَلَدَهُ لِقُرَاجَةَ السَّاقِي الَّذِي صَارَ صَاحِبَ بِلَادِ فَارِسٍ، فَسَارَ حِينَئِذٍ عَلَاءُ الدَّوْلَةِ إِلَى سَنْجَرَ، وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ الدَّيْلَمِ، وَعَرَّفَ سَنْجَرَ الْأَحْوَالَ، وَالطَّرِيقَ إِلَى قَصْدِ الْبِلَادِ، وَمَا فَعَلَهُ الْأُمَرَاءُ مِنْ أَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنِ اخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ وَحَسَّنَ قَصْدَ الْبِلَادِ.
وَكَانَ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَمِنَ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ: الْأَمِيرُ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ، أَمِيرٌ حَاجِبٌ، وَالْأَمِيرُ مَنْكُبَرْسُ، وَأَتَابِكُهُ غَزْغَلِي، وَبَنُو بُرْسُقَ، وَسُنْقُرُ الْبُخَارِيُّ، وَقُرَاجَةُ السَّاقِي، وَمَعَهُ تِسْعُمِائَةِ حِمْلٍ مِنَ السِّلَاحِ.
وَاسْتَهَانَ عَسْكَرُ مَحْمُودٍ بِعَسْكَرِ عَمِّهِ بِكَثْرَتِهِمْ وَشَجَاعَتِهِمْ، وَكَثْرَةِ خَيْلِهِمْ، فَلَمَّا الْتَقَوْا ضَعُفَتْ نُفُوسُ الْخُرَاسَانِيَّةِ لِمَا رَأَوْا لِهَذَا الْعَسْكَرِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَانْهَزَمَتْ مَيْمَنَةُ سَنْجَرَ وَمَيْسَرَتُهُ، وَاخْتَلَطَ أَصْحَابُهُ، وَاضْطَرَبَ أَمْرُهُمْ، وَسَارُوا مُنْهَزِمِينَ لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ، وَنُهِبَ مِنْ أَثْقَالِهِمْ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَقَتَلَ أَهْلُ السَّوَادِ كَثِيرًا مِنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute