الْأَعْمَالِ الَّتِي بِيَدِهِ كَخُرَاسَانَ وَغَزْنَةَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْوِلَايَاتِ، بِأَنْ يُخْطَبَ لِلسُّلْطَانِ مَحْمُودٍ بَعْدَهُ، وَكَتَبَ إِلَى بَغْدَاذَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعَادَ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا أَخَذَ مِنَ الْبِلَادِ سِوَى الرَّيِّ، وَقَصَدَ بِأَخْذِهَا أَنْ تَكُونَ لَهُ فِي هَذِهِ الدِّيَارِ لِئَلَّا يُحَدِّثَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ نَفْسَهُ بِالْخُرُوجِ.
ذِكْرُ غَزَاةِ إِيلْغَازِي بِلَادَ الْفِرِنْجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ الْفِرِنْجُ مِنْ بِلَادِهِمْ إِلَى نَوَاحِي حَلَبَ، فَمَلَكُوا بُزَاعَةَ وَغَيْرَهَا، وَخَرَّبُوا بَلَدَ حَلَبَ وَنَازَلُوهَا، وَلَمْ يَكُنْ بِحَلَبَ مِنَ الذَّخَائِرِ مَا يَكْفِيهَا شَهْرًا وَاحِدًا، وَخَافَهُمْ أَهْلُهَا خَوْفًا شَدِيدًا، وَلَوْ مُكِّنُوا مِنَ الْقِتَالِ لَمْ يَبْقَ بِهَا أَحَدٌ، لَكِنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَصَانَعَ الْفِرِنْجُ أَهْلَ حَلَبَ عَلَى أَنْ يُقَاسِمُوهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمُ الَّتِي بِبَابِ حَلَبَ. فَأَرْسَلَ أَهْلُ الْبَلَدِ إِلَى بَغْدَاذَ يَسْتَغِيثُونَ، وَيَطْلُبُونَ النَّجْدَةَ، فَلَمْ يُغَاثُوا.
وَكَانَ الْأَمِيرُ إِيلْغَازِي، صَاحِبُ حَلْبَ، بِبَلَدِ مَارِدِينَ يَجْمَعُ الْعَسَاكِرَ وَالْمُتَطَوِّعَةَ لِلْغَزَاةِ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَحْوُ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَكَانَ مَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ شِبْلٍ الْكِلَابِيُّ، وَالْأَمِيرُ طُغَانُ أَرْسِلَانَ بْنُ الْمَكْرِ، صَاحِبُ بَدْلِيسَ وَأَرْزَنَ، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى الشَّامِ، عَازِمًا عَلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ.
فَلَمَّا عَلِمَ الْفِرِنْجُ قُوَّةَ عَزْمِهِمْ عَلَى لِقَائِهِمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافِ فَارِسٍ وَتِسْعَةَ آلَافِ رَاجِلٍ، سَارُوا فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الْأَثَارِبِ، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ تَلُّ عِفْرِينَ، بَيْنَ جِبَالٍ لَيْسَ لَهَا طَرِيقٌ إِلَّا مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ قُتِلَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ مُسْلِمُ بْنُ قُرَيْشٍ.
وَظَنَّ الْفِرِنْجُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلُكُ إِلَيْهِمْ لِضِيقِ الطَّرِيقِ، فَأَخْلَدُوا إِلَى الْمُطَاوَلَةِ وَكَانَتْ عَادَةً لَهُمْ، إِذَا رَأَوْا قُوَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَاسَلُوا إِيلْغَازِي يَقُولُونَ لَهُ: لَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ بِالْمَسِيرِ إِلَيْنَا، فَنَحْنُ وَاصِلُونَ إِلَيْكَ، فَأَعْلَمَ أَصْحَابَهُ بِمَا قَالُوهُ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ، فَأَشَارُوا بِالرُّكُوبِ مِنْ وَقْتِهِ، وَقَصْدِهِمْ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ، وَدَخَلَ النَّاسُ مِنَ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ تَعْتَقِدِ الْفِرِنْجُ أَنَّ أَحَدًا يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ، لِصُعُوبَةِ الْمَسْلَكِ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute