للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْعُرُوا إِلَّا وَأَوَائِلُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ غَشِيَتْهُمْ، فَحَمَلَ الْفِرِنْجُ حَمْلَةً مُنْكِرَةً، فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ، فَلَقُوا بَاقِيَ الْعَسْكَرِ مُتَتَابِعَةً، فَعَادُوا مَعَهُمْ، وَجَرَى بَيْنَهُمْ حَرْبٌ شَدِيدَةٌ، وَأَحَاطُوا بِالْفِرِنْجِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ مِنْ سَائِرِ نَوَاحِيهِمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ غَيْرُ نَفَرٍ يَسِيرٍ، وَقُتِلَ الْجَمِيعُ، وَأُسِرُوا.

وَكَانَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْرَى نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ فَارِسًا مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ، وَحُمِلُوا إِلَى حَلَبَ، فَبَذَلُوا فِي نُفُوسِهِمْ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمُ الْغَنَائِمَ الْكَثِيرَةَ.

وَأَمَّا سِيرِجَالُ، صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، فَإِنَّهُ قُتِلَ وَحُمِلَ رَأْسُهُ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ مُنْتَصَفَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَمِمَّا مُدِحَ بِهِ إِيلْغَازِي فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ قَوْلُ الْعَظِيمِيِّ:

قُلْ مَا تَشَاءُ، فَقَوْلُكَ الْمَقْبُولُ ... وَعَلَيْكَ بَعْدُ الْخَالِقِ التَّعْوِيلُ

وَاسْتَبْشَرَ الْقُرْآنُ حِينَ نَصَرْتَهُ ... وَبَكَى لِفَقْدِ رِجَالِهِ الْإِنْجِيلُ

ثُمَّ تَجَمَّعَ مَنْ سَلِمَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ مَعَ غَيْرِهِمْ، فَلَقِيَهُمْ إِيلْغَازِي أَيْضًا، فَهَزَمَهُمْ، وَفَتَحَ مِنْهُمْ حِصْنَ الْأَثَارِبِ، وَزَرْدَنَا، وَعَادَ إِلَى حَلَبَ، وَقَرَّرَ أَمْرَهَا، وَأَصْلَحَ حَالَهَا، ثُمَّ عَبَرَ الْفُرَاتَ إِلَى مَارِدِينَ.

ذِكْرُ وَقْعَةٍ أُخْرَى مَعَ الْفِرِنْجِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ جُوسُلِينُ، صَاحِبُ تَلِّ بَاشِرَ، فِي جَمْعٍ مِنَ الْفِرِنْجِ نَحْوِ مِائَتَيْ فَارِسٍ، مِنْ طَبَرِيَّةَ، فَكَبَسَ طَائِفَةً مِنْ طَيٍّ يُعْرَفُونَ بِبَنِي خَالِدٍ، فَأَخَذَهُمْ، وَأَخَذَ غَنَائِمَهُمْ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ بَقِيَّةِ قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ مِنْ وَرَاءِ الْحَزْنِ، بِوَادِي السُّلَالَةِ، بَيْنَ دِمَشْقَ وَطَبَرِّيَةَ، فَقَدَّمَ جُوسُلِينُ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَسَارَ هُوَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>