خَمْسِينَ فَارِسًا عَلَى طَرِيقٍ آخَرَ وَوَاعَدَهُمُ الصُّبْحَ لِيَكْبِسُوا بَنِي رَبِيعَةَ، فَوَصَلَهُمُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ، فَأَرَادُوا الرَّحِيلَ، فَمَنَعَهُمْ أَمِيرٌ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ، وَكَانُوا فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَارِسًا، فَوَصَلَهُمُ الْمِائَةُ وَخَمْسُونَ مِنَ الْفِرِنْجِ، مُعْتَقِدِينَ أَنَّ جُوسُلِينُ قَدْ سَبَقَهُمْ، أَوْ سَيُدْرِكُهُمْ، فَضَّلَ الطَّرِيقَ، وَتَسَاوَتِ الْعِدَّتَانِ، فَاقْتَتَلُوا، وَطَعَنَتِ الْعَرَبُ خُيُولَهُمْ، فَجَعَلُوا أَكْثَرَهُمْ رَجَّالَةً، وَظَهَرَ مِنْ أَمِيرِهِمْ شَجَاعَةٌ، وَحُسْنُ تَدْبِيرٍ، وَجَوْدَةُ رَأْيٍ، فَقُتِلَ مِنَ الْفِرِنْجِ سَبْعُونَ، وَأُسِرَ اثْنَا عَشَرَ مِنْ مُقَدَّمِيهِمْ، بَذَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي فِدَاءِ نَفْسِهِ مَالًا جَزِيلًا وَعِدَّةً مِنَ الْأَسْرَى.
وَأَمَّا جُوسُلِينُ فَإِنَّهُ ضَلَّ فِي الطَّرِيقِ، وَبَلَغَهُ خَبَرُ الْوَقْعَةِ، فَسَارَ إِلَى طَرَابُلُسَ، فَجَمَعَ بِهَا جَمْعًا، وَأَسْرَى إِلَى عَسْقَلَانَ، فَأَغَارَ عَلَى بَلَدِهَا، فَهَزَمَهُ الْمُسْلِمُونَ هُنَاكَ، فَعَادَ مَفْلُولًا.
ذِكْرُ قَتْلِ مَنْكُوبَرْسَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الْأَمِيرُ مَنْكُوبَرْسُ الَّذِي كَانَ شِحْنَةَ بَغْدَاذَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَالُهُ.
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ: أَنَّهُ انْهَزَمَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ وَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَنَهْبَ عِدَّةَ مَوَاضِعَ مِنْ طَرِيقِ خُرَاسَانَ، وَأَرَادَ دُخُولَ بَغْدَاذَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ دُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ مَنْ مَنَعَهُ، فَعَادَ وَقَدِ اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ بَيْنَ السُّلْطَانَيْنِ سَنْجَرَ وَمَحْمُودٍ، فَقَصَدَ السُّلْطَانُ سَنْجَرَ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ سَيْفٌ وَكَفَنٌ، فَقَالَ لَهُ: أَنَا لَا أُؤَاخِذُ أَحَدًا، وَسَلَّمَهُ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَقَالَ: هَذَا مَمْلُوكُكَ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا تُرِيدُ! فَأَخَذَهُ.
وَكَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ غَيْظٌ شَدِيدٌ لِأَسْبَابٍ مِنْهَا: أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ أَخَذَ سَرِّيَّتَهُ، وَالِدَةَ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ، قَهْرًا، قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَمِنْهَا: جُرْأَتُهُ عَلَيْهِ، وَاسْتِبْدَادُهُ بِالْأُمُورِ دُونَهُ، وَمَسِيرُهُ إِلَى شِحْنَكِيَّةَ بَغْدَاذَ، وَالسُّلْطَانُ كَارِهٌ لِذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ، وَمِنْهَا: مَا فَعَلَهُ بِالْعِرَاقِ مِنَ الظُّلْمِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَتَلَهُ صَبْرًا، وَأَرَاحَ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ مِنْ شَرِّهِ.
ذِكْرُ قَتْلِ الْأَمِيرِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا قُتِلَ الْأَمِيرُ ابْنُ عُمَرَ، حَاجِبُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute